للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولِ مَن جعلَه غريمًا من الغُرماء، وقد مضَى ذكرُ ذلك عندَ ذكرِ قولِ مَن قال: يَعتِقُ منه بقَدْرِ ما أدَّى (١).

والدليلُ على أن عقدَ الكتابةِ لا يوجبُ عتقًا، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد أجاز بيعَها، ولو كان فيها شيءٌ من العتقِ ما أجاز بيعَ ذلك، إذ من سُنَّتِه المُجتمع عليها ألّا يُباعَ الحُرُّ.

وأما قولُ هشام بنِ عُروةَ في حديثه هذا: "خُذِيها واشتَرطي لهم الولاء، فإنَّما الولاءُ لمن أعتَقَ". فكذلك رواه جمهورُ الرُّواةِ عن مالك: "واشترِطي لهم الولاءَ".

ورواه الشافعيُّ، عن مالك، عن هشام، بإسنادِه ولفظِه، إلا أنه قال: "أَشْرِطي لهم الولاءَ". ذكَر ذلك عنهم الطحاويُّ (٢)، فلم يُدخلِ التاء.

قال الطحاويُّ (٣): ومعنى: "أشرِطي لهم الولاءَ"؛ أي: أظهِري لهم حُكْمَ الولاء. "فإنَّما الولاءُ لمَن أعتَقَ". أي: أظهرِي لهم ذلك، وعرِّفيهم أنّ الولاءَ لمَن أعتَقَ؟ لأنَّ الإشراطَ هو الإظهارُ في كلام العرب، قال أوسُ بنُ حَجَر (٤):

فأشْرطَ فيها نفسَه وهْو مُعصِمٌ ... وألقَى بأسبابٍ لهُ وتوكَّلا

يعني: أظهَر نفسَه لما حاوَل أن يفعل.

قال: وأمّا روايةُ سائرِ الرُّواةِ عن مالكٍ في ذلك: "واشتَرطي لهم الولاءَ". فيحتمِلُ أن يكون: "اشتَرطي لهم الولاءَ"، أي: اشتَرطي عليهم الولاءَ أنَّه لكِ إذا


(١) ينظر ما سلف قبل قليل.
(٢) في شرح مشكل الآثار ١١/ ٢١٥ - ٢١٦ (٤٣٩٣).
(٣) في شرح مشكل الآثار ١١/ ٢١٦.
(٤) ديوانه، ص ٨٧. والبيت في وصْفِ رجلٍ تدلّى بحَبْلٍ من رأس جبلٍ ليقطع من نبْعِه قوسًا.
قال ابن دُريد: يقال: وأشْرَطَ فلانٌ نفسَه لهذا الأمر؛ أي: جعله نفسه علمًا له.
وقوله: "وهو مُعْصِمٌ" أي: وهو مُعتَصِمٌ بالحَبْل الذي دلّاهُ، يقال: أعصمت بهذا الحبْل، واعتصمتُ به: إذا تعلَّقت به. ينظر: جمهرة اللغة ٢/ ٧٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>