للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتَريتِ وأعْتَقْتِ (١)، كقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧]. بمعنى: عليها. وكقوله: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: ٥٢]. يعني: عليهم اللعنةُ. قال: ويجوزُ أن يكونَ معناه الوعيدَ، كقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الإسراء: ٦٤].

قال أبو عُمر: ليس في حديث الشافعيِّ عندَنا من روايةِ المُزَنيِّ إلا: "اشتَرطي"، بالتاء (٢)، فاللهُ أعلم.

وقال أبو بكر بنُ داود: قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشتَرطي لهم الولاء، فإنَّما الولاءُ لمَن أعتَقَ" معلومٌ أنَّه لم يكنْ إلّا بعدَ تحريم اشتراطِ الولاء؛ لأنه لا يجوزُ في صفتِه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمُرَ بتركِ شيءٍ ثم يخبرَ أنه لمَن ترَكه بغيرِ سببٍ حادثٍ من المتروك له.

قال: وإنّما معناه: اشتَرطي لهم الولاءَ، فإنَّ اشتراطَهم إيّاه بعدَ علمِهم بأنَّ اشتراطَه لا يجوزُ، غيرُ ضائرٍ لكِ ولا نافعٌ لهم، لا أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمَر باشراطِ الولاءِ لهم ليقعَ البيعُ بينَها وبينَهم، فيبطُلَ الشرطُ ويصحَّ البيعُ وهم غيرُ عالمينَ بأنَّ اشتراطَهم ذلك لأنفسِهم غيرُ جائزٍ لهم؛ لأنَّ هذا مكرٌ وخديعةٌ لهم، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أبعدُ الناسِ من أن يَفعلَ ما يَنهَى عن فعلِه، أو يرضَى لنفسِه ما لا يرضاه لغيرِه، وإنما كان هذا القولُ منه تهدُّدًا لمَن رغِب عن حُكمِه، وخالفَ عن أمرِه، ويُقدمُ على فعل ما قد نَهى عن فعلِه، وتهاونًا بالشرطِ إذ كان غيرَ نافع لمشترطِه، قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: ٥٦]. والله عزَّ وجلَّ لم يُجِزْ للمشركين كيدَ الأنبياءِ والمرسلين، ولا أباح لهم أن يكونوا بدُعاءِ الأصنام مُعتَصِمينَ، وإنما أعلَمهم أنَّ ذلك غيرُ ضائرٍ للمؤمنين، ولا نافعٌ للمشركين.


(١) ما نقله عنه هنا هو في مختصر اختلاف العلماء له ٣/ ١٣٥، وبمعناه في شرح مشكل الآثار ١١/ ٢١٧ - ٣١٨.
(٢) ينظر: مختصر المُزني ٨/ ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>