للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي هريرة وزيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ، في الرَّجُلين اللّذَينِ أتيا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: يا رسولَ الله، اقضِ بينَنا بكتاب الله. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيدِه، لأقضِيَنَّ بينكما بكتاب الله، أمّا المئةُ شاةٍ والخادمُ فردٌّ عليك، وعلى ابنِك جَلدُ مئةٍ وتغريبُ عام" (١). فقد أقسَم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقضيَ بينهما بكتابِ الله، وهو صادِقٌ في قوله - صلى الله عليه وسلم -، وليس في كتابِ الله أنَّ على الزاني والزانيةِ نفيَ سنةٍ مع الجَلْد، ولا فيه أنَّ على الثيِّبِ الرجمَ، وهذه الأحكامُ كلُّها إنما هي في سُنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وفيه أيضًا دليلٌ على أنَّ الشُّروطَ وإن كثُرت حتى تبلُغَ مئةَ شرطٍ أو أكثرَ، أنَّها جائزٌ اشتراطُها إذا كانت جائزةً، لا يردُّها كتابٌ ولا سنّةٌ، ولا ما كان في معناهما، ألا ترَى إلى قوله: "كلُّ شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مئةَ شرط، قضاءُ الله أحقُّ، وشرطُه أوثَقُ، وإنَّما الولاءُ لمَن أعتَقَ "؟

وفي قوله: "إنَّما الولاءُ لمَن أعتقَ" نفيُ أن يكونَ الولاءُ إلّا لمُعتِق، وذلك ينفي أن يكونَ لمَن أسلَم على يدَيه ولاءٌ، أو لمُلتَقِطٍ ولاءٌ، وأن يُواليَ أحدٌ أحدًا بغيرِ عَتاقَة.

وقولُه: "لمن أعتَقَ" يدخلُ فيه الذكرُ والأنثى، والواحدُ والجميعُ؛ لأنَّ "مَن" يصلحُ لذلك كلِّه، إلّا أنَّ النساءَ ليس لهنَّ من الولاءِ إلّا ولاءُ مَن أعتَقنَ أو عَتيقِه، وقد ذكَرنا كثيرًا من أحكام الولاءِ مُستوعَبةً ممهَّدةً في باب ربيعةَ من هذا الكتاب (٢)، فلا وجهَ لتكريرِ ذلكَ هاهنا.

وفيه أيضًا دلالةٌ على أنَّ المُكاتَبَ إذا بِيعَ للعتقِ برضًا منه بعدَ الكتابة، وقبَضَ بائعُه ثَمنَه، لم يَجبْ عليه أن يُعطيَه من ثمنِه شيئًا، وسواءٌ باعَه لعتقٍ أو لغيرِ عتق،


(١) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الثامن لابن شهاب الزُهريّ.
(٢) وهو ابن أبي عبد الرحمن، في الحديث الثالث له، وقد سلف في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>