للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليسَ ذلك كالسيدِ يُؤدِّي مكاتَبُه إليه كتابتَه فيؤتيه منها أو يضعُ عنه من آخرِها نجمًا أو ما شاء، على ما أمَر الله عزَّ وجلَّ به في قوله: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣؛] لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرْ مواليَ بَريرَةَ بإعطائِها مما قبَضوا شيئًا، وإن كانوا قد باعوها للعتق (١).

واختلَف أهلُ العلم في معنى قول الله عزَّ وجلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، فذهبَت طائفة من أهل العلم - وهو قولُ بعض أهل النظر من متأخِّري أصحابِ الشافعيِّ - إلى أنَّ قولَه عزَّ وجلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} لم يُرِدْ به سيِّدي المُكاتَبين، وإنما هو خطابٌ عامٌ للناس، مقصودٌ به إلى من آتاه اللهُ مالًا تجبُ عليه فيه زكاةٌ، فأعلمَ اللهُ عبادَه أنَّ وضْعَ الزكاةِ في العبدِ المكاتَب جائزٌ وإن كان لا يؤمَنُ عليه العجزُ، وخصَّه من بين سائرِ العبيدِ بذلك، فجعَل للمُكاتَبينَ حقًّا في الزَّكَواتِ بقوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: ٦٥]. قالوا: وهذا هو الوجهُ الذي يجبُ الاعتمادُ عليه في الإيتاءِ الذكورِ في الآية؛ لأنَّ وضْعَ بعض الكتابةِ لا تسمِّيه العربُ إيتاءً ولا عطاءً؛ لأن الإعطاءَ هو: ما تتناولُه الأيدي بالدَّفع والقبض، هذا هو المعروفُ عندَ أهل اللسان. قالوا: ولو أراد الوضعَ عن المكاتَب، لقال: ضعُوا عنهم، أو: فأعينُوهم به. بل هو من مالِ غير الكتابة، ومعروفٌ في نظام القرآن أن يَنسُقَ بضميرٍ على غيرِه، كما قال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢]. والمأمورُ بتركِ العَضْل الأولياءُ لا المُطلِّقون، ومثلُه قولُه: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: ٢٦]. والمُبَرَّؤونَ غيرُ القائلين، وهذا كثيرٌ في القرآن.

وقال مالكٌ والشافعيُّ (٢): هو أن يُوضعَ عن المكاتَبِ من آخرِ كتابته شيء.


(١) ينظر: الحاوي الكبير للماوردي ١٨/ ١٤٠ - ١٤١، والمجموع شرح المهذّب للنّووي ١٦/ ٢٨ - ٢٩.
(٢) ينظر: الموطأ ٢/ ٣٤٤ (٢٢٨٩)، والمدوّنة ٢/ ٤٥٤، والأمّ للشافعيّ ٨/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>