للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروفةِ عندَ العرب التي نزَل القرآنُ بذكرِها في قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} [النور: ٦٠]. {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح: ٧]. وهذا كثيرٌ في القرآن وفي أشعارِ العربِ وكلامِها، وإن كانت قد تَكْني عن القَلْبِ وطهازبه وطهارةِ الجَيبِ بطهارةِ الثَّوب، فهذه استعارةٌ، والأصلُ في الثَّوب ما قلنا.

وقد رُوِيَ عن ابن عباس، والحَسَن، وابن سيرين، في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}. قالوا: اغسِلْها بالماء، وأنقِها من الدَّرَنِ ومن القَذَر (١). واحتجُّوا بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَر بغَسلِ النجاساتِ من الثيابِ والأرضِ والبدَن؛ فمِن ذلك حديثُ أسماءَ هذا في غَسْلِ الثَّوبِ من دم الحيض، ليس فيه خصوصُ مقدارِ درهم ولا غيرِه، فهذا الأصلُ في تطهيرِ الثيابِ بالماءِ من النجاسات، ومنها حديثُ الصَّبِّ على بولِ الأعرابيِّ (٢)، وهو الأصلُ في تطهيرِ الأرض، ومنها الصَّبُّ والنَّضحُ على الثَّوب الذي بال عليه الصبيُّ (٣).

وقد قلنا: إن النَّضْحَ المرادُ به الغسلُ. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أكثرُ عذابِ القبرِ في البول" (٤). قال ذلك في الذي كان لا يَتنَزَّهُ ولا يَسْتَتِرُ من بولِه، والآثارُ في مثل هذا كلِّه كثيرةٌ جدًّا.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في فتح الباري لابن حجر ٨/ ٦٧٩، وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٢٣/ ١٢ بإسناده عن ابن سيرين.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١١٠ (١٦٦) عن يحيى بن سعيد مرسلًا.
وأخرجه أحمد في المسند ٢٠/ ١٣٢ (١٢٧٠٩)، والبخاري (٢٢١)، ومسلم (٢٨٤) (٩٩) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وسيأتي مزيد كلام عليه في أثناء شرح الحديث الرابع والخمسين ليحيى بن سعيد الأنصاريّ.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٠٩ (١٦٥)، ومن طريقه البخاري (٢٢٣) عن محمد بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أمّ قيس بنت محصن رضي الله عنها، وهو الحديث العاشر لابن شهاب الزهري، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ١٥/ ١٢ (٩٠٣٣)، وابن ماجة (٣٤٨) من طريق عفّان بن مسلم الصفّار، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي صالح ذكوان السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>