وقال بعضُ مَن يرَى غَسْلَ النجاسةِ فرضًا: لمّا أجمَعوا على أن الكثيرَ من النجاسةِ واجبٌ غَسْلُه من الثَّوبِ والبدَن، وجَب أن يكونَ القليلُ منها في حكم الكثير، كالحَدَثِ قياسًا، ونظرًا لإجماعِهم على أن قليلَ الحَدَثِ مثلُ كثيرِه في نقضِ الطهارةِ وإيجابِ الوُضوءِ فيما عدا النوم، وكذلك دمُ البُرغُوثِ ومثلِه، خارجٌ عن الدماءِ بشرطِ الله في الدم أن يكونَ مسفوحًا، وهو الكثيرُ الذي يجري، وهذا كلُّه أصلٌ وإجماعٌ. قالوا: فلهذا قلنا: إن من صلَّى وفي ثوبِه، أو موضعِ سجودِه وركوعِه، أو في بدَنِه نجاسةٌ، بطَلت صلاتُه؛ لأنَّ القليلَ والكثيرَ في ذلك سواء، قياسًا على الحَدَث.
قالوا: ولمّا أجمَعوا، إلا مَن شذَّ ممّن لا يُعدُّ خلافًا على الجميع لخروجِه عنهم على أن مَن تعمَّد الصلاةَ بالثَّوبِ النَّجِس، تَفسُدُ صلاتُه ويصلِّيها أبدًا متى ما ذكَرها، كان من سَها عن غَسلِ النجاسةِ ونسِيَها في حُكم مَن تعمَّدها؛ لأنَّ الفرائضَ لا تَسقُطُ بالنِّسيانِ في الوُضوءِ والصلاة.
قالوا: ألا ترَى أن مَن نسيَ مَسْحَ رأسِه، أو غَسْلَ وجهِه وصلَّى، في حُكم مَن تعمَّد تركَ ذلك في إعادةِ الصلاةِ سواء، وكذلك مَن نسيَ سجدةً أو ركعةً، في حكم مَن تعمَّد تركَها سواء، وكذلك مَن نسيَ الماءَ في رَحْلِه ولم يَطلُبْه، ونسيَ الثَّوبَ وهو معه وصلَّى عُريانًا، ونظائرُ هذا كثيرةٌ جدًّا، إلّا أنّ الناسيَ غيرُ آثم، والمتعمِّدَ آثم، فهذا الفرقُ بينَهما من جهةِ الإثم، وأمّا من جهةِ الحُكم فلا.
قالوا: ولمّا كان مَن تعمَّد تَرْكَ سنّةٍ من السُّننِ لم تَجبْ عليه بذلك إعادةُ صلاتِه؛ كمَن ترَك رفعَ اليدين، أو قراءةَ سورةٍ مع أمِّ القرآن، أو التسبيحَ، أو الذكرَ في الركوع والسجود، ونحوَ ذلك من سُنَن الصلاةِ وسُنَن الوضوء، علِمنا أن مَن ترَك غَسْلَ النجاسات، فقد ترَك فرضًا؛ لإجماعِهم على أن مَن ترَك ذلك عامدًا، وصلَّى بثوبٍ نجس، أنّ صلاتَه فاسدةٌ.