للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وبانَ بها كلِّه أن غَسلَ الثيابِ فرضٌ لا سُنة، واللهُ أعلم.

فإن قيل: لمَ ادَّعَيتَ الإجماعَ فيمَن صلَّى بثوبٍ نجسٍ عامدًا أنه يُعيدُ في الوقتِ وغيرِ الوقت، وأشهبُ يقول: لا يُعيدُ العامدُ وغيرُ العامدِ إلّا في الوقت. ومنهم مَن يَروِيه عنه عن مالك؟ قيل له: ليس أشهبُ ولا روايتُه الشاذّةُ عن مالكٍ مما يُعدُّ خلافًا، فالصحابةُ وسائرُ العلماءِ يَمنعُ من ادِّعاءِ إجماعِهم؛ لأنَّ مَن شذَّ عنهم مأمورٌ باتِّباعِهم وهو محَجُوجٌ بهم.

وقال المغيرةُ، وابنُ دينار، وابنُ القاسم، وعبدُ الملك: يُعيدُ العامدُ في الوقتِ وغيرِ الوقت. وهو الصحيحُ عن مالك (١).

قالوا: وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}. فجمَعت الآيةُ تطهيرَ الثِّيابِ وما قاله أهلُ التفسيرِ من تطهيرِ القلب، وأفادتِ المعْنَيَين جميعًا.

قالوا: ومَن حمَل الآيةَ على أكملِ الفوائدِ كان أولى، على أن القرآنَ ليس فيه آيةٌ تَنُصُّ أن الثيابَ القلوبُ، وقد سمَّى اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِه الثيابَ ثيابًا، ولم يُسَمِّ القُلوبَ ثيابًا. فهذه جملةُ ما احتجَّ به مَن ذهَب إلى إيجابِ غَسْلِ النجاساتِ وإزالتِها من الثوبِ والأرضِ والبدنِ فرضًا. وهو قولُ الشافعيِّ، وأحمدَ، وأبي ثور. وإليه مال أبو الفرج المالكيُّ (٢)، ولا يلتَفِتُ الشافعيُّ إلى تفسيرٍ يُخالفُ الظاهرَ إلا أن يُجمِعوا عليه.

وقال آخرون: غَسْلُ النجاساتِ سُنَّةٌ مَسْنونةٌ من الثيابِ والأبدانِ والأرضِ؛ سَنَّ ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وذكَروا قولَ سعيدِ بنِ جبير، أنه قال لمَن خالَفه في ذلك: اقرأْ عليَّ آيةً تأمرُ بغَسلِ الثياب.


(١) ينظر: المدوّنة ١/ ١٤٠، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٦٠.
(٢) ينظر: الأمّ للشافعي ١/ ٧٢، ١٠٩، والمغني لابن قدامة ٢/ ٤٨، ٥٨، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ٨١ - ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>