للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذابِ النارِ وفتنةِ النار، وفتنةِ القبر وعذابِ القبر، ومن شرِّ فتنةِ المسيح الدجال، ومن شرِّ فتنةِ الغنى، وشرِّ فتنةِ الفقر، اللهمَّ اغسِلْ خطايايَ". وذكَر تمامَ الحديث، بمعنى ما تقدَّم سواء.

فهذا الحديثُ يدلُّ على أن فتنةَ القبر غيرُ عذاب القبر؛ لأنَّ الواوَ تفصلُ بين ذلك، هذا ما توجبُه اللغة، وهو الظاهرُ في الخطاب، واللهُ أعلم.

وقد تقدَّم عن عُبيد بن عُمير، أنه قال: إنما يفتَن رجُلان؛ مؤمنٌ ومنافقٌ. وهو معنى ما قلنا، وفي حديثِ زيدِ بنِ ثابت، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "إن هذه الأمةَ تُبتلَى في قبورِها". ومنهم مَن يَرْويه: "تُسألُ في قبورِها". وهذا اللفظُ يحتملُ أن تكونَ هذه الأمةُ خُصَّت بذلك، وهو أمر لا يُقطعُ عليه، واللهُ أعلم.

وحديثُ زيدِ بنِ ثابت هذا رواه عنه أبو سعيدٍ الخدريُّ. ذكَره سُنيدٌ (١)، وأبو بكرِ بنُ أبي شيبة (٢)، قالا: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عليّة، عن الجُريريِّ، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: حدَّثنا زيدُ بنُ ثابت، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذه الأمةَ تُبتلَى في قبورِها". وقال ابنُ أبي شيبة: "تُسألُ في قبورِها، فلولا ألّا تدافَنوا، لدعوتُ اللهَ أن يُسمِعَكم من عذابِ القبرِ ما أسمَع".

وقد يجوزُ أن يتأوّلُ متأوِّلٌ في هذا الحديثِ وسياقَتِه على ما ذكَرَه ابنُ أبي شيبةَ فيه: أنّ فتنةَ القبر والسؤالَ فيه هو عذابُ القبر، ولكنْ ما ذكَرْنا أظهَرُ في المعنى، وأحكامُ الآخِرَةِ لا مَدخلَ فيها للقياسِ والاجتهاد، ولا للنَّظَر والاحتجاج، واللهُ يفعلُ ما يشاءُ لاشريكَ له.


(١) وهو الحسين بن داود المِصِّيصيّ، وسُنيد لقبُه.
(٢) في المصنَّف (١٢١٥٣)، وعنه مسلم (٢٨٦٧) (٦٧). الجُريريُّ: هو سعيد بن إياس، وأبو نضْرة: هو المنذر بن مالك بن قُطَعة العبدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>