للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مضَى في هذا الكتابِ في بابِ عبدِ الله بنِ أبي بكر القولُ في تقليدِ الهَدْي؛ هل يُوجبُ على صاحبِه أن يكونَ محرمًا لذلك أم لا؟ والصحيحُ في ذلك حديثُ عائشةَ على ما ذكَرناه هناك، ومن أحسنِ طُرُقه ما أخبرَنا عبدُ الله بنُ محمد، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بكر، قال: حدَّثنا أبو داود، قال (١): حدَّثنا يزيدُ بنُ خالدٍ وقتيبةُ بنُ سعيد، أن الليثَ حدَّثهم، عن ابنِ شهاب، عن عُروةَ وعَمْرة بنتِ عبدِ الرحمن، أن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُهدى من المدينة، فأفتِلُ قلائدَ هديه، ثم لا يجتنِبُ شيئًا مما يجتنبُه المحرم.

وأما قولُه: "كيف أصنعُ بما عطِبَ من الهَدْي؟ "، فجاوَبه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكَر في حديثِ هشام هذا، فإن هذا محمَلُه عندَ العلماءِ على الهدي التطوُّع، وكذلك كان هدْيُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تطوُّعًا، لأنه كان في حَجَّتِه مفرِدًا عند مالك وطائفة. واللهُ أعلم. وقد ذكَرنا الاختلافَ عنه في ذلك في باب ابنِ شهاب وغيره (٢).

والهَدْيُ التطوعُ لا يجوزُ لأحدٍ ساقَه أكلُ شيءٍ منه إذا عَطِبَ قبلَ أن يبلُغَ مَحِلَّه؛ لئلا يكونَ ذلك ذريعةً إلى أكْلِ الهدي قبلَ مَحِلِّه من أجلِ أنه تطوُّعٌ، فينصرِفُ من الناسِ مَن لم تصحَّ نيتُه فيما أخرَجوه لله، ويعتَلُّون بأنه عَطِبَ.

ذكر أبو ثابت، وأسدٌ، وسُحْنونٌ، وابنُ أبي الغَمْر، عن ابنِ القاسم (٣): قلت لابن القاسم: أرأيتَ هَدْيَ التطوُّع إذا عَطِبَ، كيف يَصنَعُ به صاحبُه في قولِ مالك؟


(١) في سننه (١٧٥٨). وأخرجه أحمد في المسند ٤١/ ٧١ (٢٤٥٢٤)، والبخاري (١٦٩٨)، ومسلم (١٣٢١) (٣٥٩) من طرق عن الليث بن سعد، به.
(٢) ينظر ما سلف شرح الحديث العاشر لابن شهاب الزُّهري عن عروة بن الزُّبير، عن عائشة رضي الله عنها. وشرح الحديث الثالث لأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزُّبير، عن عائشة رضي الله عنها.
(٣) في المدونة ١/ ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>