للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عامرِ بنِ سعد، عن سعدِ بنِ مالك، أنه خطَب امرأةً وهو بمكّةَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ليت عندي مَن رآها ومَن يُخبرُني عنها. فقال رجلٌ مُخنَّثٌ يُدعى هيتٌ: أنا أنعتُها لك؛ إذا أقبلَت قلت: تمشي على ستٍّ. وإذا أدبرَت قلت: تمشي على أربع. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أرى هذا إلا مُنكرًا، ما أُراه إلا يعرفُ أمرَ النساء". وكان يدخلُ على سَودة، فنهاه أن يدخُلَ عليها، فلما قدِم المدينةَ نفاه، فكان كذلك حتى أُمِّر عمرُ فجَهِد (١)، فكان يُرخِّصُ له يدخلُ المدينةَ يومَ الجمعةِ فيتصدَّقُ؛ يعني يسألُ الناس. قاله ابنُ وَضّاح.

وأما الواقديُّ (٢) وابنُ الكلبيِّ، فإنهما قد ذكَرا أن هيتًا المُخنَّثَ قال لعبدِ الله بنِ أبي أميةَ المخزوميِّ، وهو أخو أمِّ سَلَمةَ لأبيها، وأمُّه عاتكةُ عمَّةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال له وهو في بيتِ أختِه أمِّ سَلَمةَ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعُ: إن افتتَحتم الطائف، فعليك بباديةَ ابنةِ غيلانَ بنِ سَلَمةَ الثقفيِّ؛ فإنها تُقبلُ بأربع، وتُدبرُ بثمان، مع ثغرٍ كالأُقْحوان (٣)، إن جلَست تبنَّت، وأن تكلَّمت تغنَّت، بينَ رجلَيها مثلُ الإناءِ المَكْفوء، وهي كما قال قيسُ بنُ الخطيم (٤):

تَغْترقُ الطَّرْفَ (٥) وهْي لاهيةٌ ... كأنما شَفَّ وجهَها نُزُفُ (٦)


(١) في الأصل: "فجُلد"، وهو خطأ ظاهر.
(٢) ينظر: المغازي له ٣/ ٩٣٣.
(٣) الأُقْحُوان: نبتٌ طيِّب الريح، حواليه ورقٌ أبيض، قال الأزهريُّ: له نَوْرٌ أبيضُ كأنّه ثغْرُ جاريةٍ حديثة السِّنّ. ينظر: تهذيب اللغة له ٥/ ٨٢، والصحاح (قحا).
(٤) في ديوانه، ص ٥٤ - ٥٧، وفيه تقديم البيت الأول على الثاني. كما في المغازي للواقدي ٣/ ٩٣٤.
(٥) قوله: "تغْتَرِقُ الطّرْفَ" الاغتراق: مثل الاستغراق، والطَّرْفُ هاهنا: النَّظَر لا العين، يقال: طرَفَ يطْرِف طرْفًا: إذا نظَر. أراد: أنها تستميل نظَر الناظرينَ إليها لحُسْنِها، وهي غير مُحتفِلَة، ولا عامدة لذلك، ولكنها لاهية غافلة، وإنما يفعل ذلك حُسْنُها. قاله الأزهري في تهذيب اللغة ٨/ ٣٤.
(٦) قوله: "كأنما شفَّ وجْهَها نُزْفُ" الشَّفُّ: الزيادة والفَضْل. والنُّزْف في الأصل: الجُرْح الذي ينزِف عنه دمُ الإنسان، والمراد هنا: أنَّ هذه الصفات تزيد في رقّة محاسنها فتبدو كأنّ دمها منزوف. ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ١١/ ١٩٤ و ١٣/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>