للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: والفرقُ بينَ جمعِ زيدٍ وعَمْرٍو في العطاءِ، وبين أعضاءِ الوضوء؛ لأنّه (١) يُمكن أن يُجمعَ بينَ عمرٍو وزيدٍ معًا في عطيّةٍ واحدةٍ، وذلك غيرُ متمكِّنٍ في أعضاءِ الوضوءِ إلّا على الرُّتبة. فالواجبُ ألّا يُقدَّمَ بعضُها على بعضٍ؛ لأنّ رسولَ الله لم يفعلْ ذلك منذُ افترض (٢) الله عليه الوضوءَ إلى أنْ تُوفِّي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان ذلك جائزًا لفَعَله - صلى الله عليه وسلم - ولو مرَّةً واحدةً؛ لأنّه كان إذا خُيِّرَ في أمرَيْن أخَذَ أيسرَهما، فلما لم يفعَلْ ذلك، علِمْنا أنّ الرُّتبةَ في الوضوءِ كالرُّكوع والسجود، ولا يجوزُ أنْ يُقدَّمَ السُّجودُ على الركوع بإجماع.

واحتجُّوا أيضًا بأنّ الواوَ في آيةِ الوضوءِ في الأعضاءِ كلِّها معطوفةٌ على الفاءِ في قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية [المائدة: ٦]. قالوا: وما كان معطوفًا على الفاءِ، فحُكمُه حكمُ الفاءِ، بواوٍ كان معطوفًا أو بغير واوٍ؛ لأنّ أصلَه العطفُ على الفاءِ، وحُكمُها إيجابُ الرُّتبة والعَجَلَةِ. قالوا: وحروفُ العطفِ كلُّها قد أجمعُوا أنّها تُوجِبُ الرُّتبةَ إلّا الواوَ، فإنّهم قد اختلَفُوا فيها، فالواجبُ أن يكونَ حُكمُها حُكمَ أخواتها من حروفِ العطف في إيجابِ التَّرتيب.

وأمّا قولُ الله عزَّ وجلَّ: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]. فجائزٌ أن يكونَ عبادتُها في شريعَتِها الرُّكوعَ بعدَ السُّجودِ، فإنْ صحَّ أنّ ذلك ليس كذلك، فالوجهُ فيه أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ أمَرَها أولًا بالقُنُوتِ، وهو الطاعةُ، ثم السجودِ، وهي الصلاةُ بعينِها، كما قال: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: ٤٠]. أي: أدبارَ الصَّلوات، ثم قال (٣): {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي: اشكُري مع الشاكرين. ومنه قول الله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: ٢٤]. أي: سجَدَ شُكرًا لله.


(١) في م: "لأنه لا يمكن"، والمثبت من النسخ.
(٢) في م: "افتراض"، خطأ.
(٣) قوله: "ثم قال" زيادة مستحسنة من ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>