للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك قال ابنُ عباسٍ غيرُه: هي سجدةُ شُكرٍ. واحتجُّوا أيضًا بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧]. مع إجماع المسلمين أنّه لا يجوزُ لأحدٍ أن يسجُدَ قبلَ أن يركَعَ. قالوا: فهذه الواو قد أوجَبَتِ الرُّتبةَ في هذا الوضعِ من غير خلافٍ.

واحتجُّوا أيضًا بقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]. مع قول رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نبدأُ بما بدَأ الله به". ورجَّحوا قولهم بأنّ الاحتياطَ في الصلوات واجبٌ، وهو ما قالوه؛ لأنّ مَن صلَّى بعدَ أن توضَّأ على النَسَقِ كانت صلاتُه تامةً بإجماع.

قالوا: ومن الدليل على ثبوتِ الترتيب في الوضوءِ دخولُ المسح بينَ الغَسْل؛ لأنّه لو قدَّم ذِكرَ الرِّجلَينِ وأخَّرَ مسْحَ الرأسِ لَما فُهِمَ المرادُ من تقديم المَسح، فأدخَلَ المَسْحَ بين الغَسْلَين ليُعلِمَ أنّه مُقدَّمٌ عليه ليُثبتَ ترتيبَ الرأس قبلَ الرِّجلين، ولولا ذلك لقال: فاغسِلُوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجُلَكم، وامسَحوا برءوسِكم، ولَما احتاجَ أن يأتيَ بلفظٍ مُلْتَبس مُحتمِلٍ للتأويلِ لولا فائدةُ التَّرتيبِ في ذلك؛ ألا ترَى أنّ تقديمَ ذِكْرِ الرأس ليس على مَن جعل الرِّجلَين ممسُوحَتَين، فلفائدة وجوبِ الترتيبِ ورَدَتِ الآيةُ بالتَّقديم والتأخير، واللهُ أعلمُ. هذا جملةُ ما احتَجَّ به الشَّافعيُّون في هذه المسألة.

قال أبو عُمر: أمّا ما ادَّعَوْه عن العَرَب، ونَسَبُوه إلى الفَرّاء والكسائيِّ وهشام، فليس بمشهورٍ عنهم، والذي عليه جماعةُ أهل العربية أنّ الواوَ إنّما تُوجبُ التَّسويةَ، وأمّا ما ذكَرُوه من آيةِ الوصيَّةِ والدَّيْنِ فلا معنَى له؛ لأنّ المالَ إذا كان مأمُونًا وبدَرَ الورثةُ فنفَّذوا الوصيَّةَ قبلَ أداءِ الدَّين، ثم أدَّوا الدَّينَ بعدُ من مالِ الميتِ، لم تَجِبْ عليهم إعادةُ الوصيَّةِ، ولو نفَّذوا الوصيَّةَ ولم يكُنْ في المالِ ما يُؤدَّى منه الدَّينُ، وكانوا قد علِمُوا به ضمِنُوا؛ لأنّهم قد تعَدَّوا، وكذلك قولُه: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}. ولسنا نُنكِرُ إذا صحِبَ الواوَ بيانٌ يدُلُّ على التَّقدمة أنَّ ذلكَ كذلكَ لمَوْضعِ البيان،

<<  <  ج: ص:  >  >>