للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَب الكوفيُّونَ إلى أنها إنما تُحيا بأمرِ الإمام، وسواءٌ عندَهم في ذلك ما قرُب من العمرانِ وما بعُد. وهذا قولُ أبي حنيفة (١).

وقال مالكٌ: أما ما كان قريبًا من العمرانِ وإن لم يكنْ مملوكًا، فلا يُحازُ ولا يُعمَرُ إلا بإذنِ الإمام، وأما ما كان في فَيافي الأرض، فلك أن تحييَه بغيرِ إذنِ الإمام.

قال: والإحياءُ في ميتِ الأرض؛ شقُّ الأنهار، وحفرُ الآبار، والبناء، وغرسُ الشجر، والحرثُ، فما فُعِلَ من هذا كلِّه، فهو إحياءٌ. هذا قولُ مالك، وابنِ القاسم (٢).

وقال أشهبُ: ولو نزَل قومٌ أرضًا من أرضِ البرِّيَّة، فجعَلوا يرعَون ما حولَها، فذلك إحياءٌ، وهم أحقُّ بها من غيرِهم ما أقاموا عليها.

قال ابنُ القاسم (٣): ولا يعرِفُ مالكٌ التحجيرَ إحياءً، ولا ما قيل: مَن حجَّرَ أرضًا وترَكها ثلاثَ سنين، فإن أحياها وإلا فهي لمَن أحياها. لا يعرفُ ذلك مالكٌ.

قال مالكٌ: ومَن أحيا أرضًا ثم ترَكها حتى دثَرت وطال الزمانُ، وهلَكتِ الأشجارُ، وتهدَّمتِ الآبارُ، وعادت كأوِّلِ مرة، ثم أحياها غيرُه، فهي لمُحْييها آخرًا، بخلافِ ما مُلِك بخِطَّةٍ (٤) أو شراء (٥).


(١) نقله عنه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٣/ ٢٦٨، ومختصر اختلاف العلماء ٣/ ٥١٨، وينظر: المبسوط للسَّرخسيّ ٣/ ٧، وبدائع الصنائع للكاساني ٦/ ١٩٤.
(٢) كما في المدوّنة ٤/ ٤٧٣.
(٣) في المدوّنة ٤/ ٤٧٣.
(٤) الخِطَّة، بالكسر: الأرض تُنْزَل من غير أن ينزلها نازلٌ قبل ذلك، وقد خطَّها لنفسِه خطًّا واختطَّها: وهو أن يُعلِّم عليها علامةً بالخطِّ ليُعلم أنه قد احتازها ليَبْنِيَها دارًا، ومنه: خِطَطُ الكوفةِ والبصرة. ينظر: اللسان والمصباح المنير مادة (خطط).
ولفظُ ما نُقل عن مالك كما في المدوّنة ٤/ ٤٧٣: "وأمّا أصول الأرضينَ إذا كانت للناس تُخَطَّط أو تُشْرى فهي لأهلها، وإن أُسْلِمَت، فليس لأحدٍ أن يُحْيِيها".
(٥) ينظر: المدوّنة ٤/ ٤٧٣، والتهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ٤/ ٣٩٦ - ٣٩٧ (٣٩٣٣) و (٣٩٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>