للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولُ من قال: إنّ رسولَ الله كان شاكيًا، فحُجَّتُه في ذلك حديثُ عكرمة، عن ابن عباسٍ.

حدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داود، قال (١): حدَّثنا مسدَّدٌ، قال: حدَّثنا خالدُ بن عبد الله، قال: حدَّثنا يزيدُ بن أبي زيادٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباس، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مكةَ وهو يشْتَكي، فطاف على راحلته، كلّما أتى على الركنِ استلَمَ بمحْجَنٍ، فلمّا فَرَغ من طوافِه أناخ فصلَّى رَكْعتين. ومثلُ هذا قولُه - صلى الله عليه وسلم - لأمِّ سلمةَ حين اشْتَكَت إليه: "طوفي من وراءِ الناس وأنتِ راكبةٌ" (٢).

وقد اختلف الفقهاءُ في السَّعي بينَ الصَّفا والمروة على الهيئةِ المذكورةِ فيه، هل هو من فروضِ الحجِّ أو من سُنَنِه؟ فالذي ذهَب إليه مالكٌ، والشافعيُّ، ومن اتَّبَعهما وقال بقولِهما، أنّ ذلك فرضٌ لا ينوبُ عنه الدَّمُ، ولا بُدَّ من الإتيان به، كالطَّواف بالبيتِ الطَّوافَ الواجبَ سواءً. وهو قولُ أحمدَ بن حنبلٍ، وإسحاقَ بن راهُويَةَ، وأبي ثورٍ، وداودَ.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه والثوريُّ: السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ ليس بواجبٍ، فإنْ ترَكَه أحدٌ من الحجَّاج حتى يرجعَ إلى بلادِه جَبَره بالدَّم؛ لأنَّه سنَّةٌ من سُنن الحَجِّ، وسُننُ الحجِّ تُجبَرُ بالدَّم إذا سقَطَ الإتيانُ بها. هذا قولُ الثوريِّ (٣).


(١) السنن (١٨٨٣).
وأخرجه من حديث عكرمة عن ابن عباس: الترمذي (٨٦٥)، والنسائي في المجتبى ٥/ ٢٢٣ وفي الكبرى (٣٩١٢)، وابن حبان (٣٨٢٥)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ٩٩ والحديث في البخاري ٢/ ١٨٦/ ١٩٠ و ٧/ ٦٦.
(٢) تقدم قبل قليل.
(٣) بداية المجتهد ١/ ٣٤٤، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>