للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجَّةُ لمَن أوجَبَ السَّعيَ بين الصَّفا والمروةِ فرضًا على مَن لم يُوجِبْه، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فعَلَه وقال: "خُذوا عنِّي مناسِكَكم" (١). فصار بيانًا لمُجمَلِ الحَجِّ، فالواجبُ أن يكون فَرْضًا، كبيانه لرَكَعات الصَّلواتِ وما كان مثلَ ذلك إذ لم يُتَّفَقْ على أنّه سُنَّةٌ أو تطَوُّعٌ، وقد قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨]. فإن احتَجَّ مُحْتَجٌّ بقراءة ابن مسعودٍ وما في مُصْحَفه، وذلك قولُه: "فلا جُناحَ عليه ألّا يَطَّوَّفَ بهما". قيل له: ليس فيما سقَطَ من مُصحفِ الجماعةِ حُجَّةٌ؛ لأنّه لا يُقطَعُ به على الله عزّ وجلّ، ولا يُحْكَمُ بأنّه قرآنٌ إلّا بما نَقَلتْه الجماعةُ بين اللَّوحين. وأحسنُ ما رُوِيَ في تأويل هذه الآية ما ذكَرَه هشامُ بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت مَناةُ على ساحل البحر، وحولَها الفُرُوثُ والدِّماءُ ممّا يَذْبَحُ بها المشركون، فقالت الأنصارُ: يا رسولَ الله، إنّا كنّا إذا أحرَمْنا لمَناةَ (٢) في الجاهليّة لم يَحِلَّ لنا في ديننا أن نطوفَ بين الصَّفا والمروة، فأنزَل اللهُ عزّ وجلّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قال عروةُ: أمّا أنا فلا أُبالي ألّا أطُوفَ بين الصّفا والمروة. قالت عائشة: لم يا ابن أُختي؟ قال: لأنّ الله يقولُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. فقالت عائشةُ: لو كان كما تقولُ لكان: فلا جُناحَ ألّا يَطَّوَّفَ بهما. فلعَمْري ما تَمَّتْ حَجَّةُ أحدٍ ولا عُمرَتُه إن لم يَطُفْ بين الصَّفا والمروة (٣).

ورواه الزهريُّ، عن عروةَ، عن عائشة مثله (٤).


(١) تقدم تخريجه قبل قليل.
(٢) في الأصل: "بمناة"، وما هنا يعضده ما في الموطأ.
(٣) الموطأ ١/ ٥٠١ (١٠٩٢).
(٤) هو في الصحيحين: البخاري (١٦٤٣) و (٤٨٦١)، ومسلم (١٢٧٧) (٢٦١ - ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>