وقالوا: حديثُ عثمانَ المُسندُ أولى بالمصير إليه مما رُوِى عنه في ذلك؛ لأنَّ الحديثَ عليه حجةٌ، وليس هو على الحديثِ حجةً، وإنما يسُوغُ ما ذهَب إليه راوي الحديث إذا لم يَدْفَعْه، فأما إذا دفَعَه فالحُجّة في المسنَد. ولهم في هذا المعنى كلامٌ يطولُ تركْتُه.
قالوا: ورجوعُ أبيٍّ بن كَعْبٍ عن ذلك لا يَصحُ؛ لأنَّ خبرَ زيدِ بنِ ثابتٍ وأبيٍّ في ذلك يدورُ على عبدِ الله بنِ كَعْب، ولم يَصحَّ له سماعٌ من زيدِ بنِ ثابت، وإنما يَروي عن خارجةَ بنِ زيد، وهو أيضًا غيرُ مشهور بنقلِ العلم، وخبرُ ابن شهاب في ذلك لم يَسمَعْه من سَهْلِ بنِ سَعْد، ولا يُدرَى مَن بينَهما على صحة (١).
قالوا: وأقلُّ أحوالِ هذه المسألة أن تَتكافأ فيها الحُججُ، فتتعارَضَ فيها الآثارُ، فيُرجَعُ حينئذٍ إلى ظاهرِ كتاب الله، وليس في كتاب الله إيجابُ الغُسْل إلا على مَن كان جُنبًا، ولا جُنبَ إلا الذي يُنزِلُ الماءَ الدافق.
قالوا: ووجهٌ آخر، أن الفرائضَ لا تجبُ إلا بيقين، ولا يقينَ في هذه المسألةِ إلا على قولِ مَن لم يُوجِبِ الغُسْل إلا بإنزالِ الماء، وهو الاتفاقُ الذي يُقطَعُ عليه ويُستَيْقَن، وباللّه التوفيق.
قال أبو عُمر: لا مَدخلَ عندَ أولي الألباب من العلماءِ للنظرِ عندَ ثبوتِ الأثر، وما ادَّعاه هؤلاء من ثبوتِ حديث:"الماءُ مِن الماء". فقد مضَى الجوابُ عن ذلك، وعلّةُ حديثِ أُبيٍّ بيِّنة؛ لرُجوعِه عن الفُتْيا به، ومعلومٌ أنه لا يجوزُ أن يدعَ الناسخَ ويأخذَ المنسوخ، ولا حُجّة في حديثِ أبي أيوب؛ لأنه إنما يَرْويه عن أُبيِّ بنِ كَعْب، وحديثُ أبي سعيدٍ وغيرِه يحتمِلُ أن يكونَ أكْسَل ولم يُجاوِز الختانُ الختانَ، فهذا فيه الوضوءُ؛ للمُلامسةِ والمباشرة، ولا يَصِحُّ عن المهاجرين ما ذُكِرَ،
(١) ينظر تعليقنا في مسألة سماع الزُّهري من سهل بن سعد في أول هذا الكتاب.