للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إعراضُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه، ففيه مذاهبُ لأهلِ العلم؛ منهم مَن زعَم أن ذلك كان لأنَّ الإقرارَ لا بدّ أن يكونَ أربعَ مرات، كالشهادات على الزِّنى، وكان إعراضُه لئلّا يَتمَّ الإقرارُ الموجبُ للحدِّ، محبّةٌ في السّتر، فلمّا تمَّ الإقرارُ على حُكمِه أمَر بالرَّجْم.

ومنهم مَن قال: مرةٌ واحدةٌ تُجزئ. وقد ذكَرْنا مذاهبَهم والآثارَ التي منها نزَع وفرَّع كلُّ فريق منهم قولَه في بابِ مُرسلِ ابنِ شهاب من هذا الكتاب (١).

وفي قوله عليه السلام: أَيْشْتَكي؟ أبِه جِنّةٌ؟ ". دليلٌ على أنه إنما ردَّه وأعرَض عنه من أجل ذلك، واللّهُ أعلم، لا ليتمَّ إقرارُه أربعَ مراتٍ كما زعَم مَن قال ذلك. ويدلُّ على صحةِ هذا التأويل قولُه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ ابنِ شهاب: "واغْدُ يا أُنيسُ على امرأةِ هذا، فإن اعْتَرفَت فارْجُمها" (٢). ولم يقل: إن اعتَرفَت أربعَ مرات.

وفي حديث الأوزاعيِّ، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المُهاجر، عن عِمْرانَ بن حُصين، أن امرأةً قالت: يا رسولَ الله، إني أصَبْتُ حدًّا فأقِمْه علَيَّ. فأمَر بها فشُكَّت عليها ثيابُها (٣). وقد ذكَرنا هذا الخبرَ في باب يعقوبَ بن زيدٍ من هذا الكتاب.


(١) في أثناء شرح الحديث العاشر من مرسل ابن شهاب الزُّهري، وقد سلف في موضعه.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ البخاري (٢٣١٤) من طريق الليث بن سعد عن محمد بن شهاب الزُّهري، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني وأبي هريرة رضي الله عنه. وهو عنده (٦٨٢٧) من طريق سفيان بن عيينة عن الزُّهري، به.
وأخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٣٨٣ (٢٣٧٩) عن محمد بن شهاب الزُّهري، به، وليس عنده هذا الحرف، وإنما فيه: "وأمر أُنيسًا الأسلميَّ أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها". وهو الحديث العاشر لابن شهاب، وقد سلف مع تمام تخريجه والحديث عليه في موضعه.
(٣) أخرجه ابن ماجة (٢٥٥٥)، والنسائي في الكبرى ٦/ ٤٢٧ (٧١٥٠)، وابن حبان ١٠/ ٢٥١ (٤٤٠٣) من طريقين عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، به. وهو حديث صحيح، على وهم فيه إسناده، قال ابن حبّان في صحيحه ١٠/ ٢٥٢ بإثر الحديث (٤٤٠٣): "وهمَ الأوزاعيُّ في كُنية عمِّ أبي قلابة، إذ الجواد يعثُر، فقال: عن أبي قلابة، عن عمِّه أبي المُهاجر، وإنما هو أبو المهلَّب: اسمه عمرو بن معاوية بن زيد الجرْميّ، من ثقات التابعين، وسادات أهل البصرة". وكذا ذكر ١٣/ ٥٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>