للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه أيضًا دليلٌ على أن المجنونَ لا يلزَمُه حدٌّ، ولهذا ما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أَيَشتَكي؟ أبِه جِنّةٌ؟ ". وهذا إجماعٌ، أن المجنونَ المَعتُوهَ لا حدَّ عليه، والقلمُ عنه مرفوعٌ.

وفيه دليلٌ على أن إظهارَ الإنسانِ ما يأتيه من الفواحشِ حُمقٌ لا يفعَلُه إلا المجانينُ، وأنه ليس من شأنِ ذوي العُقول كشفُ ما واقَعوه (١) من الحُدود والاعترافُ به عندَ السلطانِ وغيرِه، وإنما من شأنهم السترُ على أنفُسِهم والتوبةُ من ذنوبهم، وكما يلزَمُهم السترُ على غيرهم فكذلك يلزَمُهم السترُ على أنفسِهم، وسنذكُرُ في هذا الباب والباب الذي بعدَه في السترِ أحاديثَ يَستدِلُّ بها الناظرُ في كتابنا على صحّةِ هذا إن شاء الله.

وفيه دليلٌ على أن حدَّ الثيِّب غيرُ حدِّ البِكْرِ في الزِّنى، ولهذا ما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبكرٌ هو أم ثيبٌ؟ ". ولا خلافَ بينَ علماءِ المسلمين أن حدَّ البكرِ في الزِّنى غيرُ حدّ الثيِّب، وأن حدَّ البكرِ الجلدُ وحدَه، وحدَّ الثيبِ الرجمُ وحدَه، إلا أن من أهلِ العلم مَن رأى على الثيِّب الجلْدَ والرجْمَ جميعًا، وهم قليل، رُوِيَ ذلك عن عليٍّ (٢)، وعُبادة (٣)، وتعلَّق به داودُ وأصحابُه، والجمهورُ على أن الثيِّبَ يُرجَمُ ولا يُجلَدُ. وقد ذكَرْنا الاختلافَ في ذلك في باب ابنِ شهاب، عن عبيدِ الله (٤).


= قلنا: وحديث أبي قلابة، وهو عبد الله بن زيد الجرمي، عند أحمد في المسند ٣٣/ ٩٣ (١٩٨٦١)، ومسلم (١٦٩٦)، وأبي داود (٤٤٤٠)، والنسائي في المجتبى (١٩٥٧)، وفي الكبرى ٢/ ٤٣٥ (٢٠٩٥) و ٦/ ٤٢٧ (٧١٥١) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، به. وسيأتي من طرق عديدة بإسناد المصنِّف في أثناء شرح حديث أبي عرفة يعقوب بن زيد بن طلحة إن شاء الله تعالى.
(١) في الأصل: "واقعه"، والمثبت من بقية النسخ.
(٢) ينظر: المصنَّف لعبد الرزاق ٧/ ٣٢٦ (١٣٣٥٠) و ٧/ ٣٢٨ (١٣٣٥٤) و (١٣٣٥٦) و ٧/ ٣٢٩ (١٣٣٦٢).
ولابن أبي شيبة (باب فيمن بدأ بالرجم) (٢٩٤١٤) و (٢٩٤١٦) و (٢٩٤١٧).
(٣) ينظر: المصنَّف لعبد الرزاق ٧/ ٣٢٨ (١٣٣٥٩) و (١٣٣٦٠)، ولابن أبي شيبة (٢٩٣٨١) من حديث حطان بن عبد الله، عن عبادة بن الصامت مرفوعًا.
(٤) في أثناء شرح الحديث الثامن لابن شهاب الزُّهري، عنه، وهو في الموطأ ٢/ ٣٨٣ (٢٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>