للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عزَّ وجلَّ: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: ٨٢]. فللعداو التي كانت بينَ الأنصارِ واليهودِ بدَّأ الحارِثيِّين بالأيمان، وجعَل العداوةَ سببًا تَقوَى به دعْواهُم؛ لأنه لَطْخٌ يليقُ بهم (١) في الأغلب لعَداوتِهم، ومن سُنّتِه - صلى الله عليه وسلم - أنّ من قوِيَ سببُه في دَعواه، وجَبَت تَبدِئتُه باليمين، ولهذا جاء اليمينُ مع الشاهد، واللّهُ أعلم، مع ما في هذا من قطْع التطرُّقِ إلى سفْكِ الدِّماء، وقبْضِ أيدي الأعداءِ عن إراقةِ دم مَن عادَوْه على الدُّنيا، واللّهُ أعلم.

وذهَب جمهورُ أهلِ العراقِ إلى تَبدئةِ المدَّعَى عليهم بالأيمانِ في الدِّماء، كسائرِ الحقوق. وممّن قال ذلك: أبو حنيفةَ وأصحابه، وعثمانُ البَتِّيُّ، والحسنُ بنُ صالح، وسُفيانُ الثوريُّ، وابنُ أبي ليلى، وابنُ شُبْرمة (٢)، كلُّ هؤلاء قالوا: يُبدَّأُ المدَّعَى عليهم. على عموم قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "البينةُ على مَن ادّعى، واليمينُ على مَن أنكَر".

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبد الله، قال: حدَّثنا الميمونُ بنُ حمزة، قال: حدَّثنا الطحاويُّ، قال: حدَّثنا المُزَنيُّ، قال: حدَّثنا الشافعيُّ، قال (٣): أخبرنا مسلمُ بنُ خالد، عن ابنِ جُريج، عن ابنِ أبي مليكة، عن ابنِ عباس، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البَيِّنةُ على المدَّعي، واليمينُ على المدَّعَى عليه".

قالوا (٤): وهذا على عُمومِه في سائرِ الحقوقِ من الدِّماء أو غيرِها؛ لأنه قد رُوِيَ أنَّ مخرَجَ هذا الخبرِ كان في دَعْوى دم.


(١) قوله: "لطْخٌ يليق بهم" أي: تُهمة يستحقونها، يقال: لُطِخَ فلانٌ بشَرٍّ؛ أي: رُميَ به. وأضافه إليهم كمَن لُطِخ بشيءٍ فتلوَّث به. ينظرة الصحاح (لطخ)، والمشارق للقاضي عياض ١/ ٣٥٧.
(٢) نقله عنهم الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٥/ ١٧٧ - ١٧٨.
(٣) في الأم ٧/ ٨٩. وإسناده ضعيف لأجل مسلم بن خالد: وهو الزَّنْجي، فهو ضعيف يُعتبر بحديثه كما في تحرير التقريب (٦٦٢٥)، وباقي رجاله ثقات. ابن جُريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وابن أبي مُليكة: هو عبد الله بن عبيد الله.
(٤) في الأصل: "قال".

<<  <  ج: ص:  >  >>