للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَدّ المخالفُ هذا بأن تلك آيةٌ لبني إسرائيلَ لا سبيلَ إليها اليوم، وبأن شريعتَنا فيها أن الدماءَ والأموالَ لا تُستحَقُّ بالدَّعاوَى دونَ البيِّنات، ولم نَتعبَّدْ بشريعةِ مَن قبلَنا؛ لقولِه عزَّ وجلَّ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨]. وقتيلُ بني إسرائيلَ لم يُقسِمْ أحدٌ عليه مع قولِه: هذا قتلني. وهذا لا يقولُه أحدٌ من علماءِ المسلمين أن المدَّعَى عليه يُقتَلُ بقولِ المدَّعي دونَ بيِّنةٍ ولا قَسامة، فلا معنَى لذكرِ قتيلِ بني إسرائيلَ هاهنا، وقد أجمع العلماءُ على أن قولَ الذي تحضُرَه الوفاةُ لا يُصدَّقُ على غيرِه في شيءٍ من الأموال، فالدِّماءُ أحقُّ بذلك، وقد علِمنا أن من الناسِ مَن يُحبُّ الاستراحةَ من الأعداءِ للبنين والأعقاب، ونحو هذا مما يطولُ ذكرُه.

وقال مالك (١): إذا كان القتلُ عمدًا حلَف أولياءُ المقتولِ خمسين يمينًا على رجلٍ واحدٍ وقتَلوه. قال ابنُ القاسم (٢): لا يُقسِمُ في العمدِ إلا اثنان فصاعدًا، كما أنه لا يُقتَلُ بأقلَّ من شاهدين.

وكذلك لا يُحلَّفُ النساءُ في العمد؛ لأنَّ شهادتَهن لا تجوزُ فيه، ويُحلَّفن في الخطأ من أجل أنه مالٌ، وشهادتُهن جائزةٌ في الأموال (٣).

وعندَ الشافعيِّ: يُقسِمُ الوليُّ، واحدًا كان أو أكثر، على واحدٍ مدَّعًى عليه، وعلى جماعةٍ مدَّعًى عليهم. ومن حُجَّةِ الشافعيِّ أنه ليس في قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُقسِمُ منكم خمسونَ على رجلٍ منهم فيُدفَعُ إليهم برُمَّتِه". ما يدُلُّ على أنه لا يجوزُ قتلُ أكثرَ من واحد، وإنّما فيه التَّنبيهُ على تعيينِ المدَّعَى عليه الدم، واحدًا كان أو جماعة. ومن حُجَّتِه أيضًا في ذلك أن القَسامةَ بدلٌ من الشهادة، فلمّا كانت الشَّهادةُ


(١) ينظر: الموطّأ ٢/ ٤٥٦ (٢٥٨٣)، والمدوّنة ٤/ ٤.
(٢) المدوّنة ٤/ ٤.
(٣) ينظر: المدوّنة ٤/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>