للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأوزاعيُّ، ومالكٌ، وسعيدُ بن عبد العزيز: إنَّ الفَرازِنةَ (١) ومَن لا دينَ له من أجناس التركِ والهندِ وعَبدَةِ النيرانِ والأوثان، وكُلَّ جاحدٍ ومُكَذِّبٍ بربوبيّةِ الله، يُقاتَلون حتى يُسلِموا أو يُعطُوا الجزيةَ، وإنْ بذَلوا الجزيةَ قُبِلَت منهم، وكانوا كالمجوسِ في تحريم مناكحِهم وذبائحِهم وسائرِ أمورِهم.

وقال أبو عبيدٍ: كلُّ عَجَميٍّ تقبلُ منه الجزيةُ إن بذَلها، ولا تُقبلُ من العربِ إلا من كتابيٍّ.

وحُجَّةُ الشافعيِّ ومَن يذهَبُ مذهَبَه ظاهرُ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]؛ لأنّ قوله: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يقتضي أن يُقتصرَ عليهم بأخذِ الجزيةِ دون غيرِهم؛ لأنهم خُصُّوا بالذِّكْر، فتوجَّه الحُكْمُ إليهم دونَ مَن سواهم؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥]. ولم يقل: حتى يُعطُوا الجزيةَ، كما قال في أهل الكتاب. ومَن أوجَب الجزيةَ على غيرهم، قال: هم في معناهم. واستدَلَّ بأخذِ الجزيةِ من المجوسِ وليسوا بأهل كتاب (٢).

قال أبو عُمر: في قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجوس: "سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهلِ الكتاب"، يعني: في الجزية، دليلٌ على أنهم ليسوا أهلَ كتابٍ. وعلى ذلك جمهورُ الفقهاء.

وقد رُوِي عن الشافعيِّ أنهم كانوا أهلَ كتاب فبدَّلوه. وأظنُّه ذهب في ذلك إلى شيءٍ رُوِي عن عليِّ بن أبي طالبٍ من وجهٍ فيه ضَعْفٌ، يدورُ على أبي سَعْد البقّال.


(١) الفرازنة: جنس من الحبشة، وتنظر المدونة ٢/ ٤٦.
(٢) الأم ٤/ ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>