للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُطِعَت يدُه، وذلك أن هذا كلَّه ملكٌ لمالكِه لا يحلُّ أخذُه، وعلى مَن استهلَكه قيمتُه في قولِ جماعةِ أهلِ العلم، لا أعلمُهم اختلَفوا في ذلك، فلذلك رأينا على مَن سرَق من ذلك ما يوجِبُ القطعَ، القطعَ.

قال أبو عُمر: لأهلِ العلم في تأويلِ حديثِ هذا الباب قولان:

أحدُهما: أنَّ المعنى المقصودَ إليه بهذا الحديثِ جنسُ الثَّمر والكَثَر من غير مراعاةِ حِرْز، فمَن ذهَب إلى هذا المذهب لم يرَ القطعَ على سارقٍ سرَق من الثمرِ كلِّه، وأجناسِ الفواكِه، والطعام الذي لا يبقَى ولا يُؤمَنُ فسادُه، كثيرًا كانت السرقةُ من ذلك كلِّه أو قليلًا، من حِرْزٍ كانت أو من غيرِ حِرْز. قالوا: وهذا معنى حديثِ هذا الباب؛ لأنه لو أراد ما لم يكُنْ مَحْروزًا ما كان لذكرِ الثَّمَرِ وتخصيصِه فائدةٌ. هذا كلُّه قولُ أبي حنيفةَ وأصحابه.

والقولُ الآخر: أنَّ المعنى المقصودَ بهذا الحديثِ الحِرْزُ، وفيه بيانُ أنَّ الحوائطَ ليست بحِرْزٍ للثمارِ حتى يأويها الجَرينُ، وما لم تكُنْ في الجرينِ فليست محروزة. وقد قيل: إنَّ الحديثَ إنما قُصِد به حوائطُ المدينةِ خاصّة؛ لأنها حوائطُ لا حيطانَ لها، وما كان لها حيطانٌ منها فهيَ حيطانٌ لا تمنَعُ -لقِصَرِها- مَن أراد الوصولَ إلى ما داخلَها.

فهذا ما في هذا الحديث من المذاهبِ لمَن استعمَله ولم يدفَعْه، وقد دفَعتْهُ فرقةٌ ولم تَقُلْ به.

قال أبو عُمر: قد ثبَت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من حديثِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ أنه قَضَى بأنَّ على أهلِ الحوائطِ حِفْظَها وحِرْزَها بالنهار (١)، وقَضَى بأن لا قَطْعَ في ثمر،


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٢٩٣ عن محمد بن شهاب الزُّهري، عن حرام بن سعد بن محُيِّصة، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، به. وهو الحديث الثاني لابن شهاب الزُّهري عن محُيِّصة، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>