للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى في هذا الحديث ومثلِه مما جاء عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في ذلك عندَ جماعةِ أهلِ العلم، المرادُ به عندَهم القومُ الذين خرَجوا على عليِّ بنِ أبي طالب يومَ النهروان، فهم أصلُ الخوارج وأولُ خارجةٍ خرَجت، إلا أن منهم طائفةً كانت ممّن قصَد المدينةَ يومَ الدار في قتلِ عثمانَ رحمه الله.

قال أبو عُمر: كان للخوارج مع خروجِهم تأويلاتٌ في القرآن ومذاهبُ سوء؛ مفارقةٌ لسلَفِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين لهم باحسان، الذين أخذوا الكتابَ والسُّنةَ عنهم، وتفقَّهوا منهم، فخالفوا في تأويلِهم ومذاهبِهم الصحابةَ والتابعينَ وكفَّروهم، وأوجَبوا على الحائض الصلاة، ودفَعوا رجْمَ المُحصَنِ الزاني، ومنهم من دفَع الظُّهرَ والعصر؛ وكفَّروا المسلمين بالمعاصي، واستحلُّوا بالذُّنوب دماءَهم، وكان خروجُهم، فيما زعَموا، تغييرًا للمنكرِ وردًّا للباطل، فكان ما جاؤوا به أعظمَ المُنكَر، وأشدَّ الباطل، إلى قبيح مذاهبِهم، ممّا قد وقَفنا على أكثرِها، وليس هذا، والحمدُ لله، موضعَ ذكرِها.

فهذا أصلُ أمرِ الخوارج، وأولُ خروجِهم كان على عليٍّ رضي الله عنه، فقتَلهم بالنَّهْروان، ثم بقِيت منهم بقايا من أبنائهم ومن غيرِ أنسابهم على مذاهبهم، يتناسَلُون ويعتقِدون مذاهبَهم، وهم، بحمدِ الله، مع الجماعةِ مُستَترون بسوءِ مذهبهم، غيرُ مظهرينَ لذلك ولا ظاهرينَ به، والحمدُ لله.

وكان للقوم صلاةٌ بالليل والنهار وصيام، يحتقِرُ الناسُ أعمالَهم عندَها؛ وكانوا يتْلُون القرآنَ آناءَ الليلِ والنهار، ولم يكنْ يتجاوزُ حناجرَهم ولا تراقيَهم؛ لأنهم كانوا يتأوَّلُونَه بغيرِ علم بالسُّنةِ المبيِّنةِ له، فكانوا قد حُرِموا فهمَه والأجرَ على تلاوتِه، فهذا، واللهُ أعلم، معنى قوله: "لا يُجاوِزُ حناجِرَهم". يقول: لا ينتفعُون بقراءتِه، كما لا ينتفعُ الآكلُ والشاربُ من المأكولِ والمشروب بما لا يُجاوزُ حَنجرَتَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>