للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل: إنَّ معنى ذلك أنهم كانوا يتلُونه بألسنَتِهم، ولا تعتقدُه قلوبُهم. وهذا إنّما هو في المنافقين، وروَى ابنُ وَهْبٍ عن سُفيانَ بنِ عُيينة، عن عُبيدِ الله بن أبي يزيد، قال: ذكرتُ الخوارجَ واجتهادَهم عندَ ابنِ عباس وأنا عندَه، فسمِعتُه يقول: ليسوا بأشدَّ اجتهادًا من اليهودِ والنَّصارى، وهم يَضِلُّون؛ حدَّثناه خَلَفُ بنُ قاسم، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ عُمر بنِ إسحاقَ الجَوْهريُّ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ الحجّاج، قال: حدَّثنا خالي أبو الربيع، قال: حدَّثنا ابنُ وَهْب (١)، فذكره.

قال أحمدُ: وحدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، وعبدُ الرحمن بنُ يعقوب، وسعيدُ بنُ دَيْسَم، قالوا: حدَّثنا سُفيانُ بنُ عُيينة، عن عبيدِ الله بنِ أبي يزيد، فذكره (٢).

وكانوا لتكفيرِهم الناسَ لا يقبلُون خبرَ أحدٍ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فلم يعرِفوا لذلك شيئًا من سُنَّتِه وأحكامِه المُبيِّنةِ لمُجملِ كتابِ الله، والمُخْبرةِ عن مرادِ الله من خطابِه في تنزيلِه بما أرادَ اللهُ من عبادِه في شرائعِه التي تعبَّدهم بها؛ وكتابُ الله عربيٌّ، وألفاظُه محتملةٌ للمعاني، فلا سبيلَ إلى مرادِ الله منها إلا ببيانِ رسوله؛ ألا ترى إلى قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]. وألا ترى أنّ الصلاةَ والزكاةَ والحجَّ والصيامَ وسائرَ الأحكام إنما جاء ذكرُها وفرضُها في القرآنِ مجُمَلًا، ثم بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أحكامَها؟ فمَن لم يقبلْ أخبارَ العُدولِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك ضلَّ وصار في عمياءَ، فلمّا لم يقبل القومُ أخبارَ الأُمّة عن نبيِّها، ولم يكنْ عندهم فيهم عدلٌ ولا مؤمنٌ، وكفَّروا عليًّا وأصحابَه فمَن دونَهم، ضلُّوا وأضلُّوا، ومرَقُوا من الدِّين، وخالفوا سبيلَ المؤمنين، عافانا اللهُ وعصَمنا من الضلالِ كلِّه برحمتِه وفَضْلِه؛ فإنه القادرُ على ذلك لا شريكَ له.


(١) في كتاب المحاربة من موطّئه، ص ١٣، وذكره سحنون في المدوّنة ١/ ٥٣٠ عن ابن وهب، به.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١٠/ ١٥٣ (١٥٦٦٥)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٩٠٥٦) من طريقين عن سفيان بن عيينة، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>