للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعيُّ، رحمه الله، في كتابِ قتالِ أهلِ البغي (١): لو أن قومًا أظهَروا رأيَ الخوارج وتجنَّبوا جماعةَ المسلمين (٢) وكفَّرُوهم، لم تحلَّ بذلك دماؤُهم ولا قتالُهم؛ لأنهم على حُرمةِ الإيمان حتى يصيروا إلى الحالِ التي يجوزُ فيها قتالُهم؛ من خروجِهم إلى قتالِ المسلمين، وإشهارِهم السلاح، وامتناعِهم من نفوذِ الحقِّ عليهم.

وقال: بلَغنا أنَّ عليَّ بنَ أبي طالب بينما هو يخطُبُ إذ سمِع تحكيمًا من ناحيةِ المسجد، فقال: ما هذا؟ فقيل: رجلٌ يقول: لا حُكْمَ إلا لله. فقال عليٌّ رحمه الله: كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطلٌ، لا نمنعُكم مساجدَ الله أن يُذْكَرَ فيها اسمَ الله، ولا نمنعُكم الفيءَ ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤُكم بقتال.

قال (٣): وكتَب عديٌّ إلى عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ أنَّ الخوارجَ عندَنا يَسُبُّونك. فكتَب إليه عُمرُ: إن سَبُّوني فسُبُّوهم أو اعفُوا عنهم، وإن شهَروا السلاحَ فاشهَروا عليهم، وإن ضرَبوا فاضرِبوا. قال الشافعيُّ: وبهذا كلِّه نقول، فإن قاتَلُونا على ما وصَفنا قاتَلناهم، فإن انهزَموا لم نَتَّبعْهُم ولم نُجْهِزْ على جريحِهم.

قال أبو عُمر: قولُ مالكٍ في ذلك ومذهبُه عندَ أصحابِه في ألّا يُتبعَ مُدبِرٌ من الفئةِ الباغية، ولا يُجهَزَ على جريح، كمذهب الشافعيِّ سواءً، وكذلك الحكمُ في قتالِ أهلِ القبلةِ عندَ جمهورِ الفقهاء.

وقال أبو حنيفة: إن انهزَم الخارجيُّ أو الباغي إلى فئةٍ أُتْبع، وإن انهزَم إلى غيرِ فئةٍ لم يُتْبَع (٤).


(١) من كتاب الأمّ ٤/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٢) في ي ٢: "الناس"، وكتب ناسخ الأصل: "الناس" في المتن، ثم كتب في الحاشية: "المسلمين" وصحح عليها.
(٣) الشافعيُّ في الأمّ ٤/ ٢٣٠.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي ١٠/ ٢٦، وتحفة الفقهاء لمحمد بن أحمد السّمرقندي ٣/ ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>