للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمور المملكة الأمير علم الدين سنجر الحلبي، وكان الوزير يومئذ شرف الدين ابن صاعد الفائزي، وكان قد وزر لأبيه المعز أيضا، وكان اسمه هبة الله، وكان أصله من أبناء القبط، فأسلم في دولة الملك الكامل محمد، وما زال يرقى إلى أن بقي وزيرا بالديار المصرية في دولة الملك المعز أيبك التركماني، ثم وزر لابنه الملك المنصور علي.

فلما تم أمر الملك المنصور علي في السلطنة، استقر بالأمير سيف الدين قطز المعزي، نائب السلطنة بمصر وأتابك العساكر، وكان قطز شديد البأس، صعب الخلق، فقبض على الوزير شرف الدين هبة الله، وصادره وأخذ جميع أمواله ثم صلبه على باب القلعة، وخلع على القاضي زين الدين يعقوب بن الزبير، واستقر به وزيرا عوضا عن هبة الله.

ومن الحوادث في أيام الملك المنصور على هذا ان في سنة ست وخمسين وستمائة، في خامس جمادي الآخرة، جاءت الأخبار من المدينة الشريفة بأنه قد ظهر في التاريخ نار بوادي شطا شرقي المدينة، وأنها يخرج منها شرر يأكل الحجارة، وقيل أنه قبل ظهور هذه النار بخمسة أيام وقع بالمدينة زلزلة عظيمة، وسمعوا أصواتا من السماء مزعجة، ولم تزل هذه النار مستمرة ليلا ونهارا نحو شهر، فكان طول هذه النار أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال، فصارت تأكل الحجارة حتى تصير مثل الفحم الأسود. قال الشيخ عماد الدين ابن كثير: "أخبرني الشيخ صدر الدين علي التميمي الحنفي، قال: أخبرني والدي الشيخ صفي الدين مدرس مدرسة البصري أنه رأى وهو بالبصرة صفحات أعناق الابل في الليل المظلم من ضوء تلك النار التي ظهر بالمدينة.

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة إن أهل المدينة لما رأوا تلك النار قد زاد أمرها تضرعوا إلى الله تعالى، وتابوا من ذنوب كانوا يعملونها، وتصدقوا بالأموال على الفقراء، ولزموا الصوم والصلاة حتى كشف الله تعالى عنهم تلك النار بعد ما أقامت نحو شهر وهي تفور، وفي ذلك يقول القائل:

بحر من النار تجري فوقه سفن … من الهضاب لها في الأرض أرساء

منها تكاثف في الجو الدخان إلى … أن عادت الشمس منه وهي دهماء

يرمى لها شرر كالقصر طائشة … كأنها ديمة تنصب هطلاء

فيالها آية من معجزات رسو … ل الله قد ظهرت والقوم أحياء

<<  <  ج: ص:  >  >>