وكان ملكا عظيما جليلا مهيبا، كثير الغزوات، خفيف الركاب، يحب السفر والحركة في الشتاء والصيف. وكان مشهورا بالفروسية في الحرب، وله اقدام وعزم وقت القتال، وله ثبات عند التقاء الجيوش في الحرب، وكان يلقب بأبي الفتوحات لكثرة الفتوحات في أيامه، وكان له موكب بمصر وموكب بالشام كما تقدم ذلك عند خيل البريد. وكان رنكه سبع … إشارة لشجاعته وقوة بأسه. وكان كريما سخيا على الرعية، باسط اليد، يفرق الغنائم التي تحصل من الفتوحات على الرعية حتى يرغبهم في القتال وقت الحرب. وكان محبا لجمع الأموال، كثير المصادرات للرعية لأجل الغزوات والتجاريد، وينفق ذلك على العسكر. وكان مهيب الشكل، حسن الوجه، طويل القامة، مستدير اللحية، الغالب في لحيته البياض. وكان مبجلا في موكبه، كفؤا للسلطنة، منقادا للشريعة، يحب العلماء والصالحين، ويحب فعل الخير، وله بر ومعروف وآثار، ولا سيما رده الخلافة لبني العباس بعدما كادت أن تنقطع عنهم، فردها لهم كما تقدم ذلك. وقد أنفق على ذلك جملة مال حتى صارت الخلافة بمصر.
وكان خيار ملوك الترك بمصر وفي ذلك أقول:
تاريخه في الملوك أضحى … يحير العرب والأعاجم
فاكتبه بالتبر لا بحبر … وانسب لأفعاله العظائم
اختاره الله من أمام … لقمع أهل الفساد صارم
قد أظهر العدل في الرعايا … وأبطل الجور والمظالم
له بقلب الملوك رعب … أغنى عن السمر والصوارم
فالله يرحمه كل حين … ما دام هذا الوجود قائم
قيل لما توفي الملك الظاهر بيبرس كتم الأمير بيليك، نائب السلطنة، موته خوفا من التتار لئلا يرجعوا إلى البلاد، ثم احتاط على خزائن المال والبرك السلطاني، وقصد التوجه إلى الديار المصرية، فكانت المحفة تمشي في الموكب وقدامها الجنائب وهو يظهر أن السلطان مريض. ورتب حضور الأطباء على العادة، فكان لا أحد يجسر أن يقرب إلى