للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلوا إلى غزة تواترت الأخبار بوصول غازان إلى الرحبة، وأن نائب الرحبة تلطف به وأرسل له بالإقامة مع ولده ومنعه من محاصرة المدينة.

فلما أن بلغ السلطان ذلك أحضر الأمير سلار النائب، والأتابكي بيبرس الجاشنكير، وضربوا مشورة في ذلك، فأشاروا على السلطان بالخروج قبل أن يتمكن العدو من البلاد، فنادى السلطان في جميع أماكن القاهرة للعسكر بالرحيل من كبير وصغير.

ثم أن السلطان أحضر جماعة من عربان الشرقية ومن عربان الغربية، ونادى بالنفير عاما، وخرج مسرعا على جرائد الخيل، وكان معه الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان والقضاة الأربعة وسائر الأمراء والعسكر من كبير وصغير، فلما رحلوا من الريدانية تقدم الأتابكي بيبرس الجاشنكير مع جماعة من العسكر قدام السلطان.

فلما وصلوا إلى الشام جاءت الأخبار بأن جاليش غازان قد وصل إلى قرب حماة، فأرسل الأتابكي بيبرس يستحث السلطان في سرعة الحضور، فجد السلطان في السير حتى وصل إلى الشام في مستهل شهر رمضان من السنة المذكورة.

ثم أن السلطان لم يقم بالشام، وبرز إلى قتال عسكر غازان … فكان مع السلطان من العساكر المصرية والشامية وعربان جبل نابلس نحو مائتي ألف إنسان، وكان مع غازان مثل ذلك أو أكثر. فتلاقى العسكران على مرج راهط تحت جبل غباغب، فكان بين الفريقين هناك واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان، فكانت النصرة يومئذ للملك الناصر محمد بن قلاون على القان غازان، فقتل من الفريقين ما لا يحصى عددهم، وأسر من عسكر غازان نحو الثلث، وقتل من أمراء مصر الأمير حسام الدين لاجين استادار العالية، والأمير أوليا بن قرمان، والأمير سنقر الكافوري، والأمير أيدمر الشمسي المقشاش، والأمير أقوش الشمسي الحاجب، والأمير عز الدين نقيب الجيوش المنصورة، والأمير علاء الدين بن التركماني، والأمير حسام الدين علي بن ساخل، والأمير سيف الدين بهادر الدكاجكي … هؤلاء غير من قتل من أمراء دمشق الشام وحماه وحلب وطرابلس وغزة وغير ذلك من الأمراء. وقتل من المماليك السلطانية والأمراء نحو ألف وخمسمائة مملوك، هذا خارجا عن العربان والمشاة والعبيد والغلمان وغير ذلك.

فلما دخل الليل حالت الظلمة بين العسكرين، فالتجأ عسكر غازان إلى أعلى الجبال، وباتوا يوقدون النيران، وبات عسكر السلطان محدقين بهم كالحلقة. فلما لاح الصباح من يوم الأحد رابع شهر رمضان عاين عسكر التتار الهلاك من العطش والجوع، فصاروا يتسحبون في الأودية أولا بأول، فحمل عسكر السلطان عليهم فصيروهم رمما، وأسروا منهم ما شاءوا، فامتلأت من قتلاهم القفار، وضجوا كما قال فيهم القاتل:

<<  <  ج: ص:  >  >>