إذا فاتوا السيوف تناولتهم … بأسياف من العطش القفار
فلما وصلت هذه النصرة للملك الناصر محمد، أرسل الأمير بكتوت الفتاح بأخبار هذه النصرة إلى الديار المصرية، ثم أن السلطان رحل من المكان الذي وقعت فيه الواقعة ودخل إلى دمشق وصحبته الخليفة المستكفي بالله سليمان والقضاة الأربعة، فنزل بالقصر الأبلق.
وكان يوم دخوله إلى دمشق يوما مشهودا لم يسمع بمثله، وزينت له دمشق زينة عظيمة، فأقام بدمشق أياما ثم قصد التوجه نحو الديار المصرية، فوصل إلى القاهرة في ثالث عشرى شوال من سنة اثنتين وسبعمائة، فدخل إلى القاهرة وكان يوما مشهودا، والأسارى من عسكر التتار قدامه وهم في جنازير حديد، وصناجق غازان منكوسة، وطلائعه معكوسة. فشق السلطان من القاهرة وطلع إلى القلعة. وقد غنم العسكر من التتار - لما انكسروا - أشياء كثيرة من خيول وسلاح وقماش وغير ذلك من الغنائم. وكانت هذه النصرة على غير القياس، فان غازان كسر الملك الناصر قبل ذلك كسرة قوية، ونهب جميع ما كان معه ومع العسكر من خيول وسلاح وبرك وغير ذلك كما تقدم، فكان كما قيل في المعنى:
فيوم علينا ويوم لنا … ويوم نساء ويوم نسر
ومن الحوادث في هذه السنة أن في الثالث والعشرين من ذي الحجة وقع زلزلة عظيمة بالديار المصرية وسائر أعمالها، وكانت قوة عملها بثغر الاسكندرية، فهدمت سورها والأبراج. وهدمت جانب المنار، وفاض ماء البحر المالح حتى غرقت البساتين. وأما بالديار المصرية فهدمت أكثر جدران الجامع الحاكمي، وهدمت مئذنة المدرسة المنصورية ومئذنة جامع الظاهر الذي في الشوايين، وهدمت مئذنة جامع الصالح الذي عند باب زويلة، وهدمت جانبا من حيطان جامع عمرو بن العاص. وقد تشقق من هذه الزلزلة الجبل المقطم، وخرج الناس إلى الصحراء وظنوا أنها القيامة. وأقامت الزلزلة تعاود الناس مدة عشرين يوما، وسقطت الدور على الناس، وهلك تحت الردم من الناس ما لا يحصى، وقيل أن شخصا كان يبيع اللبن فسقطت عليه داره فظن الناس أنه قد مات، فأقام تحت الردم ثلاثة أيام بلياليها، فلما شالوا عنه الردم، وجدوا فيه الروح وقد تصلبت عليه الأخشاب فسلم، وكان معه جرة فيها لبن فوجدت معه كما هي سالمة وفيها اللبن.