قال الشيخ صلاح الدين الصفدي:"كنت بدمشق في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، والشيخ فتح الدين بن سيد الناس بمصر، فكتبت إليه وأنا بدمشق أقول له:
كان سمعي في مصر بالشيخ فتح الد … ين يجني الآداب وهي طرية
يا لها غربة بأرض دمشق … أعوزتني الفواكه الفتحية
وفي هذه السنة تغير السلطان على المقر السيفي تنكز نائب الشام، فأرسل الأمير بشتاك الناصري، والأمير يلبغا اليحياوى، وصحبتهم جماعة من المماليك السلطانية، ثم كتب مراسيم إلى أهل دمشق على يد هؤلاء الأمراء بأن يكونوا لهم عونا على القبض على تنكز نائب الشام. وكان تنكز هذا أصله من مماليك الملك المنصور حسام الدين لاجين، وتولى الملك الناصر فأخذ تنكز من جملة موجود لاجين، فصار من مماليك الناصر محمد، ثم جعله خاصكيا، ثم بقي الأمير عشرة، ثم بقي أمير طبلخانات، ثم بقي مقدم ألف … كل ذلك في دولة الملك الناصر محمد. ثم جعله نائب الشام في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة عوضا عن الأمير أقوش الأفرم. واستمر تنكز في نيابة الشام ثمانيا وعشرين سنة، فعظم أمره، وكثرت أمواله، وكان له عند السلطان منزلة عظيمة حتى كان يكاتبه في المراسيم" أعز الله أنصار المقر الكريم العالي ". وزاده في الألقاب عن العادة، وكان السلطان لا يفعل شيئا من أمور المملكة حتى يرسل ويشاور تنكز عليها.
وكان تنكز يزور السلطان في كل سنة مرة وصحبته الهدايا الجليلة والتقادم العظيمة، ويقيم بمصر أياما، ثم يخلع عليه السلطان خلعة ويتوجه إلى الشام.
واستمر تنكز على ذلك حتى أوقعوا بينه وبين السلطان، ودبت بينهما عقارب الفتن، فأرسل السلطان بالقبض عليه. فلما وصل إليه بشتاك الناصري والأمير يلبغا اليحياوي، قالوا له." إن السلطان رسم لك بأن تحضر إلى القاهرة حتى يزوج ابنته بابنك ". فقال تنكز:
"أنا لي شغل في هذا الشهر، ولكن امضوا أنتم إلى القاهرة وأنا أحضر أنا وولدي بعدكم ".
فأغلظوا عليه في العبارة، وأغلظ هو أيضا عليهم، فأرسلوا كاتبوا السلطان بذلك، وأثخنوا جراحات تنكز عند السلطان. فلما سمع السلطان هذا الجواب ازداد حنقه على تنكز، وعين إليه الأمير طاجار الدوادار الكبير بالقبض عليه. ولو أن تنكز حضر إلى السلطان صحبة الأمير بشتاك والأمير يلبغا ما حصل له من السلطان الا كل خير.