للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاخيل ذهب في أرجلها وألواح ذهب في أعناقها، وصنع لها مقاصير من خشب الأبنوس وطعمها بالعاج والأبنوس، وأقام بها غلمانا يكلفونها - فصرف ذلك المال جميعه عليها

قال الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في ترجمته للملك المظفر حاجى: "وقد اشتغل بلعب الطيور عن تدبير الأمور، والتهى عن الأحكام بالنظر إلى الحمام … فجعل السطح داره، والشمس سراجه، والبرج منارة، وأطاع سلطان هواه، وخالف من نهاه. وخرج في ذلك عن الحد، وصار لا يعرف الهزل من الجد … ".

ثم أن السلطان صار يستخف بالأمراء ولا يبيت عندهم في القصر في ليالي الموكب، فعند ذلك تغيرت عليه خواطر الأمراء - ولا سيما ما قد أنفقه على الحمام من المال الذي جاءوا به من موجود نائب الشام - فدخل الأمير جبغا على السلطان وقت الظهر وخلا به وعنفه على تلك الأمور التي يفعلها، وقال له أن الأمراء والعسكر قد تغير خاطرهم على السلطان بسبب ذلك.

فلما سمع السلطان ذلك غضب، وقام من وقته وطلع إلى الحمام وذبحها جميعا، وأخرب تلك المقاصير، وأرسل يقول للأمير جبغا: "إني قد ذبحت الحمام الذي كان عندي جميعه. وأنا إن شاء الله تعالى أذبح في هذا القرب خياركم كما ذبحت الحمام … ". فلما سمع الأمير جبغا ذلك قام من وقته ودخل إلى نائب السلطنة، وذكر له ما قاله السلطان، فاتفق رأى الأمراء قاطبة على خلعه من السلطنة.

فلما كان يوم الأحد ثاني عشر رمضان، وثب الأمراء على السلطان، ولبسوا آلة الحرب، وخرجوا إلى قبة النصر. فلما بلغ السلطان ذلك رسم بشد الخيول، ودق الكئوسات حربيا، وزعق النفير، وركب تحت الصنجق ومعه جماعة من الأمراء العشراوات نحو ثلاثة أنفس، وبعض مماليك صغار، ومقدم المماليك الأمير عنبر. ثم أن السلطان خرج من باب السلسلة، ومشى إلى رأس الصوة، ووقف ينتظر من يطلع إليه من الأمراء فلم يطلع إليه أحد، فوقف ساعة ثم مشى بين الترب فوقف هناك.

وأرسل خلف الأمير شيخو العمري فجاء من بيته، فبعثه السلطان إلى الأمراء الذين في قبة النصر وهو يقول لهم: "ايش قصدكم حتى نعرف سبب ركوبكم علينا من غير موجب؟ ". فلما توجه الأمير شيخو من عند السلطان بهذه الرسالة، اجتمع بالأمراء الذين في قبة النصر وبلغهم ما قاله السلطان فقالوا له: "امض إلى السلطان وقل له ينزل عن الملك ويكف هذا القتال عن العسكر". فلما رجع الأمير شيخو إلى السلطان، وبلغه ما قالته الأمراء، قال السلطان: "كيف أنزل عن المماليك؟ … والله ما عندي لهم إلا السيف".

<<  <  ج: ص:  >  >>