للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرجع إليهم الأمير شيخو بهذا الجواب، فزحفوا إليه، وأشاروا بالحرب عليه. فثار بينهم غبار الحرب الوارد، وحملوا عليه حملة رجل واحد. وكان رأس الفتنة الأمير يلبغا أروس، فجاء من وراء السلطان وضرب عليه يزك بمن معه من العسكر، فصار من كان مع السلطان من المماليك يتسحبون قليلا قليلا، فلم يبق معه إلا القليل من المماليك، فتقدم إليه الأمير يلبغا أروس وضرب السلطان بطبر كان معه، فلم تؤثر فيه الضربة، فنزل الأمير يلبغا أروس عن فرسه، وأمسك لجام فرس السلطان، وتكاثر عليه العسكر فقلعوه من قربوس السرج، وأخذوه وهو حاسر الرأس، ومضوا به إلى الأمير ارقطاي نائب السلطنة. فلما رآه نزل عن فرسه، ورمى على السلطان قباءه، وقال: "أعوذ بالله أن أقتل ابن أستاذي، ولكن امضوا به إلى السجن في القلعة". فأخذه الأمير يلبغا أروس ومضى به إلى تربة في الباب المحروقي فخنقه هناك، ودفن من وقته، ولم يشعر به أحد.

وكان له من العمر نحو عشرين سنة. وكان مليح الشكل، صبيح الوجه، شجاعا بطلا، لا يهاب الحرب، ولا يخاف الضرب. وقد قال فيه الصلاح الصفدي :

أيها العاقل اللبيب تفكر … في المليك المظفر الضرغام

قد تمادى وازداد في البغى حتى … كان لعب الحمام جد الحمام

فكانت مدة سلطنة الملك المظفر هذا بالديار المصرية سنة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوما، ولكن قتل في هذه المدة اليسيرة جماعة كثيرة من الأمراء وغيرهم، وكان سفاكا للدماء على صغر سنه. وفيه يقول الصفدي:

خان الردى للمظفر … وفي الثرى قد تعفر

فكم أباد أميرا … على المعالي توفر

وقاتل النفس ظلما … ذنوبه ما تكفر

فلما قتل المظفر حاجى طلع الأمراء إلى القلعة وتشاوروا فيمن يولونه السلطنة.

فاختلفوا في ذلك: فطائفة من الأمراء يقولون سيدي حسين، وطائفة منهم يقولون سيدي حسن … فوقع الخلف بينهم في ذلك.

وكان سيدي حسين مجرما سفاكا للدماء، فنفر منه العسكر لشدة بأسه، ووقع القال والقيل بين الأمراء، وأقامت مصر يومين بغير سلطان والناس يدعون إلى الله بإصلاح أحوال المسلمين. ثم في اليوم الثالث وقع الائتلاف من الأمراء على سلطنة سيدي حسن، فطلبوه من دور الحرم وسلطنوه، كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>