على يلبغا الناصري نائب حلب. فلما وصل الأمير تلكتمر إلى حلب بلغ يلبغا الناصري أمر المراسيم التي جاء بها الأمير تلكتمر، فخرج إلى تلقيه - وكان بين يلبغا الناصري وبين الأمير تلكتمر صحبة مؤكدة فما أمكنه أن يخفى منه أمر المراسيم - فلما وقف عليها يلبغا الناصري أخذها وأخفاها، ثم توجه إلى دار السعادة وطلب قضاة حلب والأمير سودون المظفري ليقرأ عليهم المراسيم التي جاءت بالأمر بالصلح بين يلبغا وسودون. فلما أرسل خلف سودون لم يحضر إلى دار السعادة، فأرسل خلفه أربع مرات والقضاة جالسون والأمير تلكتمر … فما حضر سودون إلا بعد جهد كبير، فطلع سودون وهو لابس زردية من تحت ثيابه، وكان يلبغا الناصري ركن جماعة من مماليكه في دار السعادة وهم لابسون آلة الحرب. فلما دخل سودون من باب دار السعادة تقدم إليه مملوك من مماليك يلبغا وجس كتف سودون فرآه لابسها من تحت ثيابه، فقال له:"يا أمير سودون … الذي يريد الصلح يدخل إلى دار السعادة وهو لابس آلة الحرب؟ ". .. فلكمه سودون، فصاح على ذلك الكمين فخرجوا إلى سودون، فقتلوه في دار السعادة، وقتلوا معه أربعة مماليك من مماليكه.
ثم أن يلبغا الناصري أظهر العصيان والتف عليه جماعة كثيرة من مماليك الأشرف شعبان. وكان من جملة من التف على يلبغا تمربغا الأفضلي المدعو منطاش مملوك الظاهر برقوق - وكان له مدة وهو منفى في المدن الشامية - فالتف على يلبغا الناصري.
ثم أن الأمير تلكتمر، لما جرى ما جرى بحلب، رجع وأخبر السلطان بما وقع لسودون المظفري مع يلبغا. فلما تحقق السلطان عصيان يلبغا الناصري أرسل خلعة إلى الأمير اينال اليوسفي بأن يستقر نائب حلب عوضا عن يلبغا الناصري، وكان اينال أتابكي العساكر بدمشق، وكان يلبغا الناصري في نفسه من الملك الظاهر برقوق عداوة قديمة كامنة في قلبه كما قيل:
الجرح يبرا ولكن كلما نظرت … عين الجريح إليه جدد الوجعا
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشر صفر من السنة المذكورة نزل السلطان إلى الميدار الذي تحت القلعة، ونصب هناك عدة صواوين للأمراء، ثم أنه أرسل خلف الأمراء، فلما تكاملوا مد لهم سماطا عظيما، فلما فرغوا من الأكل جلس معهم السلطان، وذكروا لهم ما وقع من يلبغا الناصري من أرم عصيانه، ثم أحضر لهم مصحفا شريفا، وحلف عليه سائر الأمراء من الأكابر والأصاغر بأن يكونوا معه كلمة واحدة وعصبة واحدة على يلبغا الناصري، فحلفوا على ذلك جميعهم وانقض المجلس على ذلك.