فلما كان يوم الاثنين رابع عشرى صفر عرض السلطان العسكر، وعين تجريدة إلى يلبغا الناصري، وعين خمسة أمراء من المقدمين، وأربعمائة مملوك، ثم جاءت الأخبار من طرابلس بأن عسكر طرابلس ركبوا على النائب، وقتلوه من أمراء طرابلس جماعة وهرب النائب إلى يلبغا الناصري.
وجاءت عقب ذلك أخبار من حماه بأن نائبها سودون العثماني حضر إلى دمشق وهو هارب، وسبب ذلك أن مماليكه ركبوا عليه مع عسكر حماه وأرادوا قتله، فهرب منهم إلى دمشق، وقد وقعت الفتن في سائر البلاد الشامية، فلما تحقق برقوق أن البلاد قد افتتنت خاف على نفسه، وأمر نائب القلعة بأن يضيق على الحليفة المتوكل ويمنعه من الاجتماع بالناس، فانه كان مسجونا في البرج الذي بالقلعة وهو مقيد. ورسم السلطان للأمير مقبل الزمام بأن يضيق على الأسياد أولاد السلاطين الذين في دور الحرم، ويمنع من كان يدخل لهم. ثم أن السلطان أرسل خلعة إلى الأمير طغيتمر القيلاوي بأن يستقر في نيابة طرابلس عوضا عن النائب الذي كان بها.
ثم حضر قاصد من عند الأمير خليل بن قراجاين ذو الغادر، فأخبر أن الأمير سنقر نائب سيس قد خامر وخرج عن الطاعة، ووافق يلبغا الناصري على العصيان، ورحل من سيس وأتى إلى حلب. فلما تحقق السلطان أن النواب قد خامروا عليه أنفق على العسكر وأخرج التجريدة التي كان عينها إلى حلب، وكان بها من الأمراء الأتابكي أيتمش البجاشي، والأمير أحمد بن يلبغا الناصري أمين مجلس، والأمير جركس الخليلي أمير أخور كبير، والأمير يونس النوروزي الدوادار الكبير، والأمير ايدكار العمري حاجب الحجاب، وجماعة من الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات وأربعمائة مملوك، فخرجوا من القاهرة في عظمة زائدة.
فلما خرجوا من القاهرة ووصلوا إلى دمشق جاءت الأخبار من هناك مع السعاة بأن العساكر لما وصلت إلى دمشق وجدوا يلبغا الناصري قد ملك الشام حتى قلعتها، فلما وصل العسكر إليه أوقعوا معه بظاهر دمشق واقعة عظيمة حتى جرى الدم بينهم، وقتل من الفريقين ما لا يحصى عددهم، وآخر الأمر انكسر عسكر السلطان الذي أرسله، وانتصر عليهم يلبغا النصاري، وقتل الأمير جركس الخليلي أمير أخور كبير، وهرب الأمير أحمد بن يلبغا العمري أمير مجلس والأمير ايدكار العمري حاجب الحجاب والأمير يونس الدوادار. وأما الأتابكي أيتمش فانه أسر وسجن بقلعة دمشق، وأما بقية الأمراء والمماليك السلطانية فشيء أسر وشيء هرب وشيء قتل … وكانت هذه الواقعة بدمشق في يوم الاثنين حادي عشرى ربيع الآخر من السنة المذكورة.