فلما أن جاءت هذه الأخبار إلى القاهرة اضطربت الناس من هذه الأخبار، وماجت على بعضها، وكثر القيل والقال بين الناس بسبب ذلك، وارتج الأمر على السلطان … فعمل الموكب بالقصر وفرق أمريات من قتل من الأمراء في هذه المعركة، فأنعم على الأمير قرابغا الأبو بكرى بتقدمة ألف، وأنعم على الأمير بجاس النوروزي بتقدمة ألف، وأنعم على الأمير شيخ الصفوي بتقدمة ألف، وأنعم على الأمير قرقماس الطشتمري بتقدمة ألف، وأنعم على الأمير أقبغا المارديني بتقدمة ألف، وأنعم على جماعة كثيرة من الخاصكية بأمريات أربعين، وعلى جماعة بأمريات عشرة، ثم أنه رسم بالافراج عن جماعة من المماليك الأشرفية ومماليك الأسياد - وكانوا في السجن بخزانة شمايل - وصار يرضي خاطر العسكر بكل ما يمكن حتى يمحو ما وقع منه في حق العسكر.
ولما كان يوم الأربعاء مستهل جمادى الأولى حضر تمربغا الفخاري السواق، وكان قد توجه إلى نحو الشام بسبب كشف أخبار يلبغا الناصري. فلما وصل إلى غزة رأى طوالع جاليش يلبغا الناصري قد وصل غزة، فلما دخلوا مدينة غزة أنزلهم الأمير حسام الدين بن باكيش نائب غزة في الميدان الكبير. فلما باتوا تلك الليلة كبس عليهم وأمسكهم عن آخرهم وقيدهم وسجنهم في دار السعادة، وكانوا نحو مائة إنسان وفيهم ثلاثة أمراء من حلب. فلما سمع السلطان هذا الخبر فرح وخلع على ذلك السواق كاملية بسمور.
ثم في يوم الأحد خامس جمادي الأولى قعد السلطان في مقام سيدي محمد الرديى الذي هو داخل الحرم، وطلب الخليفة المتوكل من البرج، فخرج وحضر وهو مقيد، وكان له نحو ست سنين في البرج بالقلعة وهو مقيد، وقد أفحش في حقه الملك الظاهر برقوق، وتمادى على طغيانه في حق المتوكل وهو في القيد هذه المدة الطويلة.
فلما حضر بين يدي السلطان قام إليه وأمر بنزع قيده، وصار يعتذر إليه مما وقع منه في حقه.
ثم طلب القضاة الأربعة، وأعاد المتوكل إلى الخلافة كما كان، وخلع عليه وأركبه فرسا وسرج ذهب وكنبوش، ونزل من القلعة في موكب عظيم والقضاة قدامه، وزينت له الصليبة وجامع ابن طولون، وكان يوما مشهودا.
فلما نزل إلى بيته أرسل إليه السلطان قماشا بنحو ألف دينار ما بين صوف وسمور ووشق وسنجاب وبعلبكي وغير ذلك، وأرسل إليه ألف دينار ذهب عين. ثم أن السلطان نزل إلى الميدان الذي تحت القلعة وعرض هناك العسكر وهو لابسون آلة الحرب راكبون على خيولهم، وصار يسأل من كل واحد منهم ما هو عاوز من آلة الحرب فيعطيه الذي يعوزه من خيل وسلاح وغير ذلك.