بأن لا فقيه ولا متعمم يركب فرسا، ومنها أنه أمسك جماعة من مماليك الظاهر برقوق وسجنهم بخزائن شمايل، ومنها أنه سد باب الفرج - وكان ذلك فألا عليه - وسد باب حمام أيدغمش، ومنها أنه رمى على جماعة من المباشرين بالايوان الشريف خمسمائة فرس من الخيول الخاص، ومنها أنه رمى على أولاد الناس أجناد الحلقة كل واحد فرسا أو ثمنه، ورمى على الحجاب المقيمين بالقاهرة كل واحد ثمن فرس خمسين دينارا، وفرع من أبواب هذه المظالم أشياء كثيرة لم يسمع بمثلها فيما تقدم، فكان كما قيل في المعنى:
كفى المرء نقصا أن يرى عيب غيره … وما عاب منه الناس غير معيب
ثم أن السلطان علق الجاليش وأنفق على العسكر، فرسم الأتابكي منطاش لكل مملوك من المماليك السلطانية بنفقة دون المائة دينار، فأخذوا ذلك على كره منهم وأظهروا العصيان، وكثر القيل والقال في حق المقر الأتابكي منطاش، ثم أشيع بين الناس أن الملك الظاهر برقوق قد انكسر وهرب، وأن رأس اينال اليوسفي قد قطعت وهي واصلة إلى القاهرة، فدقت البشائر لذلك ثلاثة أيام، وزينت القاهرة … وكل ذلك أخبار مصنوعة ليس لها صحة، وإنما هي إشاعة لتطمئن خواطر العسكر وهذه حيل منطاش.
ثم أن السلطان برر خيامه في الريدانية وكذلك سائر الأمراء.
فلما كان يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة سنة احدى وتسعين وسبعمائة، نزل السلطان الملك المنصور أمير حاج من القلعة، وصحبته الخليفة المتوكل على الله محمد، والقضاة الأربعة - وهم: قاضي القضاة أبو البقا السبكي الشافعي، وقاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسي الحنفي، وقاضي القضاة جمال الدين بن خير المالكي، وقاضي القضاة ناصر الدين بن العسقلاني الحنبلي - وسائر الأمراء من الأكابر والأصاغر، فنزل في موكب عظيم إلى الريدانية.
ثم أن السلطان ترك بالقاهرة من الأمراء المقر السيفي سودون الفخري نائب السلطنة ورسم له بأن يقيم في القلعة إلى أن يعود السلطان، وجعل الأمير تكا الأشرفي نائب الغيبة مع الأمير صراى تمر، والأمير قطلوبغا السيفي تمر باي حاجبا ثانيا ومعه جماعة من الحجاب، وترك جماعة من المماليك السلطانية نحو خمسمائة مملوك، ورسم لهم بأن يتوزعوا في أبراج القلعة وجوانب المدينة.
ثم أن في يوم الجمعة رحل السلطان من الريدانية فلما وصل إلى العكرشا وقع من أعلى الفرس إلى الأرض فتفاءل له الناس بعدم النصرة. وكان أكثر العسكر مائلا إلى الملك الظاهر برقوق، وما مع الأتابكي منطاش من العسكر إلا القليل.