للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك الظاهر برقوق وأخرجوه من الشام. وكان سبب ذلك أن بعض مماليك برقوق عبث على بعض سوقة دمشق وأخذ منه شيئا من البضائع بالغصب، فاستغاث ذلك السوقي، فحضر إليه جماعة من أهل دمشق وتعصبوا له، فهاش عليهم ذلك المملوك وضربهم، فرجمه أهل دمشق، فجاء خشداشي ذلك المملوك ورموا على عوام دمشق بالنشاب، فتكاثرت على المماليك العوام الحجارة والمقاليع، فكسروا المماليك كسرة قوية. فركب الظاهر برقوق ومن معه من الأمراء وخرجوا من دمشق إلى قبة يلبغا، فدخل العوام إلى الميدان، ونهبوا برك الظاهر برقوق، وغلقت أبواب دمشق بعد ما كانت مفتحة، وكان برقوق أشرف على أخذ قلعة دمشق وراج أمره، فتعطل بسبب ذلك كما قيل: "معظم النار من مستصغر الشرر".

ويقرب من هذه الواقعة ما ذكره بعض المؤرخين أن أهل قريتين تقاتلوا حتى تفانوا عن آخرهم على قطرة عسل وسبب ذلك أن رجلا نحالا يبيع العسل وقف على زيات ليبيعه عسلا، فبينما الزيات يزن في العسل، قطرت منه قطرة على الأرض، فوقع عليها زنبور، فوثب عليه قط كان في دكان الزيات وهو عزيز عنده، فخطف ذلك الزنبور، فرآه كلب كان مع صاحب العسل وهو عزيز عنده، فوثب على قط الزيات فقتله وأكله. فلما رأى الزيات قطه قد مات ضرب كلب صاحب العسل فقتله. فلما رأى صاحب العسل كلبه قد مات خرج من عقله - وكان ذلك الكلب عزيزا عنده - فضرب الزيات ضربة فقتله فلما رأى أخو الزيات أخاه قد قتل، وثب على صاحب العسل فقتله. وكان صاحب العسل من قرية والزيات من قرية، فتسامع أهل القريتين بذلك فلبسوا السلاح، وما زالوا يتقاتلون بالسيف والرمح، والحرب سائرة بينهم، حتى تفانوا عن آخرهم … وكان سبب ذلك القطرة العسل التي أثارت هذه الفتنة العظيمة.

فنعوذ بالله من آفة الجهل، وقلة العقل، كما قيل في المعنى.

ألم تر أن العقل زين لأهله … ولكن تمام العقل طول التجارب

ومن هنا نرجع إلى أخبار الأتابكي منطاش … فانه لما سمع ذلك عن الظاهر برقوق لم يثق بهذا الكلام، وأخذ في أسباب خروج العسكر، والسلطان الملك المنصور أمير حاج، إلى نحو الشام لقتال الظاهر برقوق. فلما تحرك أمر التجريدة حصل للناس غاية الضرر من الأتابكي منطاش، وتمنى كل أحد عود الملك الظاهر برقوق إلى الديار المصرية.

وكان قد جرى من الأتابكي منطاش عند خروج التجريدة أمور منها أنه أخذ خيول الطواحين جميعها حتى غلا الدقيق وأكل الناس بعضهم بعضا، ومنها أنه نادى في القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>