للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاءت الأخبار بأن نائب صفد ونائب حماه قد وصلا إلى قطيا وهما هاربان من الظاهر برقوق، فدخلوا إلى القاهرة في يوم الأحد خامس عشرى شوال، فأخبروا الأتابكي منطاش بأن أكثر النواب خامر مع الظاهر برقوق.

فلما سمع منطاش ذلك عقد مجلسا عظيما في القصر الكبير، وأرسل خلف أمير المؤمنين محمد المتوكل والقضاة الأربعة وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني. فلما تكامل المجلس عرض عليهم الأتابكي منطاش سؤالا شرحه: "ما تقول السادة العلماء في رجل خلع الخليفة وسجنه وقيده من غير موجب لذلك، وقتل رجلا شريفا في الشهر الحرام في البلد الحرام، واستحل أخذ أموال الناس بغير حق، واستعان بالكفار على قتال المسلمين؟ ". .. ثم كتبوا من هذا السؤال عدة نسخ. فقال القضاة: "ما نكتب على هذا السؤال حتى يكتب شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني". فكتب الشيخ سراج الدين البلقيني: "إذا قامت عليه البينة بذلك وجب قتاله ومحاربته، فهو خارجي". فلما كتب شيخ الإسلام ذلك كتب بعده القضاة ومشايخ العلماء، وكتبوا من هذا السؤال عدة فتاوى، ثم أرسلوها إلى ثغر الاسكندرية ودمياط وغير ذلك من الثغور … وكان الظاهر برقوق في أول سلطنته وقع منه أمور فاحشة في حق الرعية، فكان كما قيل: "إذا حملت الأنفس ما لا تطيق، نطقت الألسن بما لا يليق". ..

ثم جاءت الأخبار من دمشق بأن الظاهر برقوق بعد أن دخل إلى دمشق، وملك المدينة، ونزل في الميدان، كبس عليه أهل دمشق، وأخرجوه من المدينة إلى ظاهر البلد.

وكان سببه أن الظاهر برقوق لما وصل نزل عند قبة اليلبغا خارج دمشق، فأقام هناك، فجاء إليه كمشبغا الحموي نائب حلب، فوجد الظاهر برقوق في خيمة خلقة صغيرة، فأحضر له خيمة مدورة عظيمة، وأحضر طشتخناه وشريخاناه وفرشخاناه وغير ذلك مما يحتاج إليه الملوك من أوان وفرش حتى أحضر له الخليفة برسم النوبة، وصار الظاهر برقوق سلطانا كما كان أولا بعدما كان قد تلاشى أمره، فكان كما قيل:

الصبر مثل اسمه في كل نائبة … لكن عواقبه أحلى من العسل

فاصبر لها غير محتال ولا ضجر … في حادث الدهر ما بغنى عن الحيل

ثم أن الظاهر برقوق لما استقامت أموره، حضر بمن معه من العساكر ودخل إلى دمشق، وملك المدينة، ونزل بالميدان الكبير، فجاء إليه الناس من كل فج وقدموا إليه الخيول والقماش والمال وغير ذلك. فبينما هو في الميدان إذ قامت بدمشق عركة، ورجموا

<<  <  ج: ص:  >  >>