صراي تمر ذلك ما وسعه إلا أنه رسم بالافراج عمن سجن من المماليك قاطبة، والافراج عن سيدي بيبرس ابن أخت الملك الظاهر برقوق، ونزل إلى بيته.
ثم في يوم الخميس حضر هجان من الشام وعلى يده مراسيم إلى الأمراء بأن السلطان الملك المنصور دخل إلى الشام وملكها، وأن الملك الظاهر برقوق هرب من وجهه ولم يقابله، فخلعوا على الهجان الذي جاء بهذا الخبر خلعة عظيمة، ودقت البشائر ثلاثة أيام
ثم ظهر بأن هذا الخبر كذب مصنوع ليس له صحة، وفعلوا ذلك لتطمئن الرعية.
ثم في يوم الأحد سابع عشرى المحرم من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة أشيع بين الناس بالقاهرة بأن الظاهر برقوق قد انتصر على الملك المنصور أمير حاج، ثم انقطعت هذه الاخبار مدة طويلة.
فلما كان ليلة الأربعاء مستهل شهر صفر حدث في تلك الليلة أن جماعة من المماليك السلطانية كانوا بائتين في القلعة، فنقبوا حائطا وأخرجوا جماعة من المماليك الذين كانوا في السجن بالقلعة، فلما كثروا جاءوا إلى باب القلعة الذي ينزل إلى باب السلسلة فوجدوه مقفلا فعبثوا فيه بعتلة حديد، فلما أحس بهم الحراس ضربوا أحد الحراسين بالسيف فمات من وقته، فهرب بقية الحراس لما رأوا ذلك، فخلع المماليك الباب، ونزلوا إلى الاسطبل السلطاني، وجاءوا إلى باب السلسلة، فوجدوا الحراس قد ناموا وكان ذلك في آخر الليل، فضربوا من الحراس اثنين فماتا، وأخذوا منهم مفتاح باب السلسلة ففتحوا الباب ونزلوا إلى الرميلة … هذا كله والأمير صراي تمر نائم في حريمه لم يشعر بشيء من ذلك. فلما أحس بهذا الأمر نزل من سور الاسطبل في حبل إلى الرميلة، ثم توجه إلى بيت الأمير قطلوبغا الحاجب.
ثم أن المماليك تحايوا وكثروا، فلما أصبح الصباح فتحوا أبواب القلعة وأخرجوا من كان في الأبراج من المماليك مسجونا، وكذلك من كان في خزانة شمايل، ثم طلعوا إلى الاسطبل السلطاني وأخذوا ما كان به من الخيول، وطلعوا إلى الطبلخانات السلطانية، وأحضروا جماعة الغلمان والعبيد وقالوا لهم دقوا الكئوسات حربيا.
ثم أن الأمير صراي تمر نائب الغيبة والأمير قطلوبغا الحاجب ركبا ولبسا آلة الحرب، ووقفا بسوق الخيل - وكان الأمير بطا الطولوتمري قد ملك باب السلسلة - فلما طلع الأمير صراي تمر والأمير قطلوبغا إلى سوق الخيل نزل إليهم الأمير بطا مع جماعة من المماليك الظاهرية، فأوقعوا معهم واقعة قوية، فانكسر الأمير صراي تمر نائب الغيبة، والأمير قطلوبغا الحاجب، فنهب العوام بيوتهم ومن كان من عصبتهم من الأمراء والمماليك.