للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن غرائب صنع الله تعالى أن القاهرة اضطربت لهذه الواقعة، وكانت المدينة سائبة - لا سلطان بها ولا قاضي ولا حاكم - ومع هذا لم يفقد لأحد من الناس ما قيمته الدرهم الفرد، وكانت الزعر مائجة في المدينة، ولم يتعرضوا لأحد من الناس بسوء، ولا نهبوا لأحد شيئا من الدكاكين ولا البيوت ولا الأسواق، وكان حفظا من الله تعالى، فكان كما قيل في المعنى:

لم لا نرجى الفضل من ربنا … أم كيف لا نطمع في حلمه

وفي الصحيحين أتى أنه … بعبده أشفق من أمه

ثم أن الأمير بطا خلع على شخص من أولاد الناس يقال له محمد بن العادلي واستقر به والي القاهرة عوضا عن حسين بن الكوراني. ثم أن محمد بن العادلي نادى في القاهرة بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن لا أحد يشوش على أحد، والدعاء للسلطان الملك الظاهر برقوق بالنصر، فضج الناس له بالدعاء … وهذا كله جرى بالقاهرة ولم يعلم للملك الظاهر برقوق خبر، ان كان قد انتصر أو انكسر.

ثم أن المقر السيفي سودون الفخري نائب السلطنة ركب بنفسه وشق القاهرة، ونادى قدامه بالأمان والاطمئنان، والدعاء للملك الظاهر برقوق، وكان ذلك يوم الجمعة، فنودى للخطباء بأن يخطبوا باسمه في ذلك اليوم.

ثم أن الأمير صراي تمر، والأمير قطلوبغا، وجماعة من الأمراء طلعوا إلى باب السلسلة صحبة المقر السيفي سودون النائب وفي رقابهم مناديل. فلما طلعوا إلى باب السلسلة قيدهم الأمير بطا وسجنهم بالقلعة. وكان الأمير بطا من مماليك الظاهر برقوق، وكان يومئذ أمير عشرة، ولكن خدم سعده لسعد أستاذه برقوق كما قيل في المعنى:

ملك نداه المبتدا … للناس والمدح الخبر

أمضى لسان سيفه … حكم القضاء والقدر

فلما كان يوم السبت أواخر شهر صفر حضر إلى القاهرة جلبان الخاصكي وصحبته الأمير عيسى بن مهنا شيخ العرب، وأخبروا بأن الملك الظاهر برقوق قد انتصر على منطاش، وهو واصل إلى غزة، فلما سمع ذلك الأمير بطا دق الكئوسات، ونادى بالزينة في القاهرة وكتب مراسيم وأرسلها إلى ثغر الاسكندرية ودمياط والصعيد بنصرة الملك الظاهر برقوق على منطاش.

<<  <  ج: ص:  >  >>