للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها مرض السلطان مرضا شديدا حتى أشرف على الموت وأرجفت القاهرة بموته من شدة قهره من منطاش، ثم شفى وركب وشق القاهرة فزينت له وكان له يوم مشهود وموكب عظيم.

وفيها حضر إلى الأبواب الشريفة مملوك نائب حلب وأخبر بأن نعيرا قبض على منطاش وسلمه إلى نائب حلب، فكان - كما يقال - "سيف السلطان طويل". وقد قيل في المعنى:

قالت: ترقب عيون الحي، ان لها … عينا عليك إذا ما نمت لم تنم

وكان سبب امساك منطاش أن نعير بن جبار أرسل يطلب من نائب حلب أولاده ونساءه الذين أسرهم كما تقدم، فأرسل نائب حلب يقول له: "ما أطلق لك أولادك ونساءك حتى تسلمنا منطاش". .. وكان منطاش قد تزوج من بنات نعير واستنسل منهم. فلما رأى نعير أن السلطان ونائب حلب عليه، وقد نهبوا أمواله ومواشيه، وأسروا أولاده ونساءه، قصد أن يرضي السلطان بإمساك منطاش حتى يزول ما عنده مما جرى منه في حق السلطان كما تقدم.

ثم أن نعيرا ندب إلى منطاش أربعة عبيد غلاظ شداد، فلما أتوا إليه أحس بالشر، وكان راكبا على هجين، فنزل عنه وركب على فرس، فأمسك بعض العبيد لجام الفرس وقال له:

"كلم الأمير نعيرا". فقال منطاش: "وايش يعمل بي نعير؟؟ ". .. فتكاثر عليه العبيد وأنزلوه عن فرسه وأخذوا سيفه منه، فقال لهم منطاش: "دعوني حتى أبول". .. فقصد إلى جانب حائط، وكان في تكته خنجر فشق به بطنه، فغشى عليه، فحمله العبيد وأتوا به إلى نعير، فقيده وأرسله إلى نائب حلب، وأرسل معه جماعة من العربان حتى أسلمه إلى نائب حلب، وكان له يوم مشهود. فتسلمه نائب حلب وسجنه بالقلعة، وكتب بذلك محضرا وأرسله إلى السلطان فلما تحقق السلطان صحة هذا الخبر خلع على القاصد خلعة عظيمة، ودقت الكؤسات، وزينت له القاهرة سبعة أيام، ونسي السلطان - لما ظفر بمنطاش - ما قاساه من التعب ومن القهر ومن المال الذي صرفه على التجاريد "فكان كما قيل في المعنى:

إذا ظفرت من الدنيا بقربكم … فكل ذنب جناه الدهر مغفور

ثم أن السلطان عين الأمير طولو بن علي شاه إلى حلب ليحضر منطاش، فلما وصل إلى حلب تسلم منطاش وجعل يعاقبه ويعصره ويقرره على الأموال التي غصبها من البلاد فلم يقر بشيء. ودخل عليه النزع فقطع الأمير طولو رأسه ووضعها في علبة، ثم خرج من حلب وجعل يطوف برأس منطاش في كل مدينة يدخلها حتى وصل إلى القاهرة، فكان

<<  <  ج: ص:  >  >>