للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم دخوله إلى القاهرة يوما مشهودا، وزينت المدينة زينة عظيمة، فشقوا برأس منطاش في القاهرة، ثم طلعوا بها إلى القلعة، فرسم السلطان بأن تعلق على باب زويلة، فعلقت ثلاثة أيام ثم دفنت وقلعت الزينة، وانقضى أمر منطاش. وقد هنى السلطان بعض الشعراء بهذين البيتين فقال:

كأن فجاج الأرض يمناك أن يسر … بها خائف تجمع عليه الأنامل

فأين يفر المرء منك بجرمه … إذا كان تطوى في يديك المراحل

ثم أن السلطان أرسل إلى نعير خلعة وأقره على عادته أمير آل فضل، فما صدق الناس بأن فتنة منطاش قد خمدت عنهم حتى استؤنفت لهم فتنة أخرى، وما هي إلا أنه في عقيب ذلك حضر طواشي رومى يسمى صفي الدين جوهر، أرسله صاحب ماردين فأخبر بأن تمرلنك قد أخذ تبريز، ثم حضر عقيب ذلك قاصد صاحب بسطام فأخبر بأن تمرلنك قد أخذ شيراز، ثم حضر قاصد نائب الرحبة وأخبر بأن القان أحمد بن أويس صاحب بغداد قد وصل على الرحبة وهو هارب من تمرلنك، وقد احتاط على غالب بلاده وملكها.

وكان سبب أخذ تمرلنك بلاد القان أحمد بن أويس أن تمرلنك أرسل إلى القان أحمد كتابا يترفق له فيه ويقول له:" أنا ما جئتك محاربا، وإنما جئتك خاطبا أتزوج بأختك وأزوجك بنتي ". .. ففرح القان أحمد بذلك، وظن أن هذا الكلام صحيح، فكان كما قيل في المعنى:

لا تركنن إلى الخريف فماؤه … مستوخم وهواؤه خطاف

يمشي مع الأجسام مشي صديقها … ومن الصديق على الصديق يخاف

وكان القان أحمد استعد لقتال تمرلنك وجمع له العساكر، فلما أتى إليه قاصد تمرلنك بهذا الخبر ثنى عزمه عن القتال، واستعاد من العسكر الذين قد جمعهم ما أعطاهم من آلة القتال، وصرف همته عن القتال، فلم يشعر إلا وقد دهمته عساكر تمرلنك من كل مكان، فضاق بهم رحب الفضاء، فخرج إليهم القان أحمد بمن بقى معه من العساكر … فبينما القان يقع مع عسكر تمرلنك اذ فتح أهل بغداد بقية أبواب المدينة وقد خافوا على أنفسهم مما جرى عليهم من هلاكو في أيام الخليفة المستعصم بالله.

فلما رأى تمرلنك أبواب المدينة مفتحة دخل إلى المدينة وملكها ولم يجد من يرده عنها.

فلما بلغ القان أحمد ذلك ما أمكنه إلا الهرب، فأتى إلى جسر هناك فعدى من فوقه ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>