العوام ودخلوا إلى الميدان ونهبوا الدنان البوزة والشش، وحصل في ذلك اليوم بعض اضطراب بسبب ذلك، وقال بعض الشعراء:
سلطان مصر دام فضل علائه … قد عمنا بالفضل والاحسان
لم أنس يوم السبت حسن مهمه … قد كان يوما جاء بالسلطان
ومن الحوادث في هذه السنة أنه في يوم الأحد تاسع عشر ذي القعدة كان وفاء النيل المبارك، فنزل السلطان من القلعة وتوجه إلى المقياس ليخلق العمود ويكسر السد على العادة. فلما دخل إلى المقياس وخلق العمود ونزل إلى الحراقة لتكسير السد، جاء إليه مملوك من خشداشينه من مماليك الأتابكي يلبغا العمري يقال له سودون الأعور - وكان ساكنا في البيوت التي بأعلى الكبش - فجاء إلى السلطان وأسر إليه حديثا في أذنه، فكان مضمون ذلك أنه قال له:"رأيت في بيت الأمير علي باي الذي تحت الكبش مماليك لابسة آلة الحرب، وقد دخلوا تحت بوائك الخيل وستروا على البوائك بانخاخ حتى لا يراهم أحد". .. وكان هذا البيت محل سكن علي باي.
فلما سمع السلطان ذلك أنكره. وكان الأمير علي باي من مماليك السلطان الخواص وقد رقاه حتى جعله رأس نوبة النوب. وكان الأمير علي باي قبل هذه الواقعة انقطع في بيته أياما وأظهر أنه مريض، وظن أن السلطان إذا رجع من كسر السد يدخل يسلم عليه، فإذا دخل يسلم عليه تخرج تلك المماليك من تحت البوائك التي سترها بالأنخاخ فيقتلون السلطان. وظن أن هذه الحيلة تصعد من يده، فكان تدميره في تدبيره كما قيل في الأمثال:
وان من حارب من لا يقوى … لحربه، جر إليه البلوى
فحارب الأكفاء والأقرانا … فالمرء لا يحارب السلطانا
ثم أن السلطان أرسل الأمير أرسطاي أحد رؤوس النوب إلى بيت الأمير علي باي ليكشف له الخبر عن صحة ذلك، فتوجه الأمير أرسطاي إلى بيت الأمير علي باي، وأعلم جماعته بأن السلطان إذا رجع من السد يدخل يسلم على الأمير علي باي.
فلما فتح السلطان السد ورجع توجه إلى بيت الأمير على باي. فلما أراد أن يدخل إلى بيته نادته امرأة من أعلى البيوت التي في الكبش وقالت له:"لا تدخل له". .. وقد قيل أن تلك المرأة رمت على السلطان - لما أراد أن يدخل إلى بيت علي باي - قلة، فلما شال