وعاقبوه ثانيا وألبسوه خودة حديد محمية بالنار، فأقر أن له عند ابن عمه مائتي ألف درهم فضة نقرة، وأقر بأن له عند أخيه مثل ذلك. ثم أقر بأن له عند قريبه تقي الدين الخطيب خمسين ألف دينار، وعند دواداره علي بن عمر عشرة آلاف دينار … فحمل ذلك جميعه إلى الخزائن السلطانية، وذهب ما كان جمعه ابن الطبلاوي من حلال وحرام، وبقى عليه اثم ذلك، فذهبت عنه الدنيا والآخرة، وقد قيل في المعنى:
النار آخر دينار نطقت به … والهم آخر هذا الدرهم الجاري
والمرء ما دام مشغوفا بحبهما … معذب القلب بين الهم والنار
ثم أن السلطان رسم بسجن علاء الدين بن الطبلاوي في خزانة شمايل فسجن بها.
وفي هذه السنة وقع الرخاء بمصر حتى بيع كل أربعة أرطال خبز بدرهم، ولا أحد يشتريه.
ومن الوقائع اللطيفة أنه في يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة لعب السلطان بالكرة والصولجان مع الأتابكي أيتمش البجاسي في الحوش السلطاني، فغلب السلطان المقر الأتابكي أيتمش، فقال له السلطان:"جاء عليك يوم بالقفيري" فأراد الأتابكي أيتمش أن يعمل وليمة من ماله، فقال له السلطان:"أنا أقوم عنك بذلك من مالي". .. فضرب خيمة كبيرة مدورة وعدة صواوين في الميدان الذي تحت القلعة، وأرسل خلف سائر الأمراء من الأكابر والأصاغر، ورسم للوزير وناظر الخاص بأن يتكلفوا بأمر ذلك المهم، فعمل فيه من اللحم الضأن عشرين ألف رطل، ومن الأوز مائتي زوج، ومن الدجاج ألف طير، ومن الخيول للذبح عشرين فرسا، ومن السكر ثلاثين قنطارا، ومن الفاكهة مائتي علبة، ومن الحلوى مائتي مجمع، ومن الزبيب برسم الأقصمة ثلاثين قنطارا، ومن الدقيق ستين أردبا برسم البوزة … فعملت البوزة والشش في أدنان، وأحضر السلطان مغانى البلد جميعها والأوزان.
ثم أن السلطان صلى الصبح ونزل إلى الميدان، ورسم بألا يمنعوا أحدا من الدخول إلى الميدان فلما تكاثر الناس في الميدان أشار بعض الأمراء على السلطان بأن يمد السماط إلى القلعة، فمد السماط وأكل هؤلاء والأمراء، ثم خلع على الوزير وناظر الخاص، ثم ركب وطلع إلى القلعة من وقته … وكان قصد السلطان أن يقيم في الميدان إلى آخر النهار ويجتمع هناك أرباب الملاهي والملاعب، فما تم له ذلك. فلما ركب وطلع إلى القلعة تكاثر