وفرق عليهم الاقطاعات والوظائف، وقويت شوكته وعصبته، وصار يمهد لنفسه في الباطن
فعند ذلك خلع الملك المظفر أحمد من السلطنة، وتسلطن عوضه بدمشق. وكان الخليفة المعتضد بالله داود صحبته، والقضاة الأربعة، فبايعوا ططر وسلطنوه، وذلك في يوم الجمعة تاسع عشرى شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتلقب بالملك الظاهر، وخطب باسمه في ذلك اليوم على منابر دمشق.
فلما تم أمره في السلطنة هناك طلق خوند سعادات أم الملك المظفر أحمد وقد خاف على نفسه منها. والذي خاف منه وقع فيه كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه، فلم ينل من الدهر قصده.
فلما تسلطن قصد التوجه إلى نحو الديار المصرية، وأخذ الملك المظفر معه وأمه ورجع إلى مصر، فلما دخل إلى القاهرة كان له يوم مشهود، وزينت له المدينة، وحملت على رأسه القبة والطير، ولعبوا قدامه بالغواشي الذهب إلى أن طلع القلعة. فلما جلس على سرير الملك أرسل الملك المظفر أحمد إلى السجن بثغر الاسكندرية، وأرسل معه المرضعة والدادة، فكانت مدة سلطنته بمصر سبعة أشهر وعشرين يوما … فما كان أغناه عن هذه السلطنة، والحول الذي حصل في عينيه لما دقت الكئوسات في القصر يوم سلطنته كما تقدم، وآخر الأمر سجن! وأقام في السجن إلى أن مات بثغر الاسكندرية في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة في دولة الأشرف برسباي. ومات بالطاعون، ثم نقل بعد موته إلى القاهرة ودفن على أبيه داخل القبة التي في الجامع المؤيدي الذي هو داخل باب زويلة. ومات وله من العمر نحو احدى عشرة سنة، ولم يع أيام سلطنته وإنما وعلى نفسه في السجن إلى أن مات فيه. وقد دخل مماليك أبيه في خطيئته حيث سلطنوه وهو في هذه السن.
وكان المظفر هذا حسن الشكل جميل الصورة، وإنما حدث له ذلك الحول في عينيه من يوم سلطنته كما تقدم.
ومن الحوادث في أيامه أن في هذه السنة - وهي سنة أربع وعشرين وثمانمائة - زاد النيل المبارك زيادة مفرطة، واستمر ثابتا إلى آخر هاتور من الشهور القبطية، وهذا قط لم يعهد في الإسلام. وحصل للناس في تلك السنة الضرر الشامل واستبحرت الأراضي وغرق أكثر البساتين، وفات الزرع عن أوانه، وانقطعت الطرق من الماء. وفي ذلك يقول بعض الشعراء: