للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعند ذلك طلع الأمير يشبك الفقيه إلى المدرسة التي تسمى الجاولية، فقعد هناك وحفر خندقا عند المدرسة الصرغتمشية، وواحدا عند رأس الكبش، وواحدا عند قناطر السباع، ثم ركبوا مكحلة في شباك المدرسة الجاولية، واستمروا في ذلك اليوم كله يقعون مع المماليك الخشقدمية.

فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة نزل الأمير قايتباي رأس نوبة النوب من القلعة ومعه جماعة من المماليك الاينالية والظاهرية، فتوجهوا إلى الأمير يشبك الفقيه وأوقعوا معه، فكان بينهم واقعة عظيمة، وقتل في ذلك اليوم ثلاثة من المماليك السلطانية.

فلما كانت ليلة السبت هرب الأمير يشبك الفقيه، وهرب بقية الأمراء المؤيدية، وانكسروا كسرة قوية، فنهب العوام بيوتهم، وولى سعدهم، وأتت عكوسهم، فخابت آمالهم، ولم ينفع اجتهادهم، كما قيل في المعنى:

إذا لم يكن عون من الله للفتى … فأول ما يجنى عليه اجتهاده

فلما كان يوم السبت سابع جمادي الأولى من سنة اثنتين وسبعين اجتمع الأمراء بالقلعة، وأحضروا الخليفة والقضاة الأربعة، وخلعوا الظاهر بلباي من السلطنة، ووقع الاتفاق من الأمراء على سلطنة الأتابكي تمربغا كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه، ثم دخلوا بالظاهر بلباي إلى البحرة وقيدوه، ثم قبضوا على الأمير قنبك المحمودي أمير سلاح وقيدوه وأدخلوه إلى البحرة. ثم أن الأمير يشبك الفقيه توجه إلى الأمير قايتباي، ثم قبضوا على الأمير جاني بك كوهية، ومغلباي طاز، وطوخ الزردكاش، وبقية المؤيدية من كبير وصغير ولم يتركوا منهم أحدا، فأما الملك الظاهر بلباي فانه أقام في البحرة يومين ثم نزلوا به هو والأمير قنبك المحمودي، فتوجهوا بهما إلى السجن بثغر الاسكندرية وأما الأمير يشبك الفقيه وطوح الزردكاش فتوجهوا بهما إلى ثغر دمياط. وأما جاني بك كوهية ومعلباي طاز فما أدرى في أي مكان توجهوا بهم: آفي ثغر دمياط مع الأمير يشبك الفقيه أو لا … فكانت مدة سلطنة الظاهر بلباي بالديار المصرية شهرين إلا أربعة أيام، وكانت كأنها سنة من النوم، أو يوم أو بعض يوم، كما قيل في المعنى:

ركب الأهوال في زورته … ثم ما سلم حتى ودعا

وبه زالت دولة المؤيدية كأنها لم تكن … فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>