للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه سقط الصاري الخشب الذي تعلق فيه القناديل في رمضان بمنارة جامع القلعة، فأخذ الناس يتفاءلون بشيء يحدث للسلطان عن قريب. فلما كان اليوم الثاني من انكسار الصاري، ركب السلطان على فرس وسير في الحوش، ثم ساق ونخع الفرس باللجام، فشب به وانقلب على السلطان، فسقط إلى الأرض وبقيت رجله تحت جنب الفرس، فانكسرت رجل السلطان من عند عظمة فخذه كسرا بليغا، فأغمي عليه، وسال منه الدم، فأرجفت القلعة بموت السلطان، واضطربت أحوال القاهرة بسبب ذلك، وكثر القال والقيل بين الناس، ولم يشك في موته أحد، بل تيقنوا ذلك. فحمله بعض الخاصكية، وهو مغمي عليه، وأدخله إلى قاعة الدهيشة. فتسامع الأمراء بذلك، فطلعوا إليه، ثم طلع كاتب السر ابن مزهر، فلما دخل عليه قال له اكتب في الحال في هذه الساعة مراسيم، وأرسلها إلى نائب حلب، لتطمئن الأمراء والعسكر بسلامة السلطان من هذا العارض. وقد حصل له السلامة والشفاء عن قريب، فكتب المراسيم بصورة الحال، وأدرجت على يد هجان في أثناء ذلك اليوم، وتوجه إلى حلب، وقد نظم بعض شعراء العصر يعتذر عن هذه الواقعة بهذين البيتين وهما قوله:

وقد زعموا أن الجواد كبا به … وحاشاه من عيب يضاف إليه

ولكن رأى سلطان عز وهيبة … فقبل وجه الأرض بين يديه

وفيه توفي الشيخ صالح زين الدين عبد الرحيم ابن ابراهيم بن حجاج الإبناسي القاهري الشافعي، وكان عالما فاضلا دينا خيرا صالحا، منجمعا عن أبناء الدنيا، متصوفا على طريقة السلف، متواضعا جدا، وطلب للقضاء غير ما مرة، وهو يأبى من ذلك، ولما مات دفن بزاوية الشيخ شهاب الدين التي بحدرة الفول عند بركة الرطلي.

*****

وفي ربيع الآخر طلع القضاة إلى القلعة للتهنئة بالشهر، فأذن لهم بالدخول على السلطان وهو في القاعة التي بالدهيشة، وهي قاعة الحريم، فلما دخلوا عنده وجدوه على سرير وقد قوروا له الفرض من تحته، ورجله قدامه، وهو لا ينام ولا يتحرك، وكان الأمراء والمباشرون يدخلون عليه كل يوم، ويعطونه الخدمة، وهو جالس على ذلك السرير فيدعون له وينصرفون.

<<  <  ج: ص:  >  >>