للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه حصل للسلطان الشفاء، ودخل الحمام. فلما كان يوم الجمعة ركب من باب الدهيشة وتوجه إلى الجامع، وصلى الجمعة، وكان له بالقلعة يوم مشهود، وتخلق الخدام بالزعفران، وفرقت خوند على الناس البنود الحرير الصفر، للخدام والخاصكية، والزمام ومقدم المماليك والغلمان السلطانية قاطبة، وأعيان الناس من الحجاب، ورءوس النوب، ونقباء الجيش وغير ذلك من الأعيان. ولما رجع السلطان من الجامع لاقته النسوة بالتهاني، ونثرت خوند على رأسه خفائف الذهب والفضة، وفرشت له الشقق الحرير تحت حوافر فرسه، وكان يوما حافلا بالقلعة. وخلع على الأطباء والمزينين الخلع السنية، ودقت له البشائر بالقلعة، ونودي بالزينة في القاهرة.

فلما كان الثاني من يوم ركوبه حضر الخليفة والقضاة الأربعة وهنأوا السلطان بالعافية، وجلس بالدكة، وحكم بين الناس. وكان مدة انقطاع لهذا العارض نحوا من ثلاثة وخمسين يوما. وكان الناس قد أيسوا منه، وعد ركوبه من النوادر بعد ذلك العارض المهول عند الكبر. وقد قال القائل في ذلك:

الله يدفع عن نفس الإمام لنا … وكلنا للمنايا دونه غرض

فليت هذا الذي يعروه من مرض … بالعائدين جميعا لا به المرض

ففي الإمام له من غيرنا عوض … وليس في غيره منه لنا عوض

فما أبالي إذا ما نفسه سلمت … لو باد كل عباد الله وانقرضوا

*****

وفي جمادي الآخرة جاءت الأخبار بأن عسكر ابن عثمان، لما حصلت لهم تلك الكسرة، تجمع جيشا كثيفا، ورجع إلى المحاربة ثانية، وأن عسكر السلطان بعد أن رجع إلى حلب، خرج ثانية إلى نحو كولك. فتنكد السلطان إلى الغاية لهذا الخبر. ونادى للعسكر بالعرض، فعرض وعين جماعة من الأمراء المقدمين والجند، فكانوا نحوا من خمسمائة مملوك. وكان عليهم يشبك الجمالي الزردكاش الكبير أحد المقدمين ثم أنفق عليهم واستحثهم على الخروج إلى حلب. وضاق الأمر بالسلطان حتى قصد أن يخرج إلى التجريدة بنفسه. وأرسل السلطان إلى كرتباي الأحمر كاشف البحيرة بأن يجمع له من

<<  <  ج: ص:  >  >>