وفيه وقعت نادرة غريبة وهي أن شخصا يقال له عبد القادر بن الرماح وكان له خصاصة بالسلطان قال له أن الشيخ عبد القادر الدشطوطي ﵀ ورضي عنه شخص من عباد الله الصالحين، وكان قصد السلطان الاجتماع عليه، فأخبره أنه يتردد إلى جامع محمود في مكان عنده بالقرافة تحت الجبل المقطم، فقال له السلطان:"إن حضر هناك أعلمني". فعمد عبد القادر بن الرماح إلى شخص كان شبيها بالشيخ عبد القادر الدشطوطي، وكان يدعى أنه شريف، فأعلم السلطان بأن الدشطوطي يحضر تلك الليلة إلى المكان المذكور، فصلى السلطان العشاء ونزل وصحبته ثلاث أنفس فأتى إلى ذلك المكان ونزل عن فرسه، فوجد ذلك الشخص جالسا ورأسه في عبه، فشرع السلطان يقبل رجليه ويقول:"يا سيدي احمل حملتي مع ابن عثمان". فصار ذلك الشخص يغرب عليه، ويقول له:"أنت ما ترجع عن ظلم العباد". فطال المجلس بينهما. ثم إن السلطان دفع له كيسا فيه ألف دينار، وقيل خمسمائة دينار، فصار يمتنع من ذلك والسلطان يتلطف به ويقول له:
"فرق ذلك على الفقراء". ثم ركب ومضى وهو يظن أنه الدشطوطي.
ثم بعد أيام انكشفت هذه الواقعة، وظهر أنها مفتعلة. فلما تحقق السلطان ذلك، أحضر عبد القادر بن الرماح والشخص الذي تزيا بزي الدشطوطي وخدام المكان الذي كانوا به فضربوا بين يدي السلطان بالمقارع. وأما عبد القادر ابن الرماح الذي كان سببا لذلك فرسم السلطان بحلق ذقنه وشهره في القاهرة على حمارة، ثم سجنه بالمقشرة إلى أن مات عقيب ذلك. وكانت هذه الواقعة من أغرب الوقائع التي لم يسمع بمثلها مع أن عبد القادر بن الرماح كان من ذوي العقول، ولكن قد يخبو الزناد ويكبو الجواد، كما يقال:
وإني رأيت المرء يشقى بعقله … وقد كان قبل اليوم يسعد بالعقل
*****
وفي صفر أنعم السلطان على مملوكه جان بلاط بن يشبك بامرية عشرة، وهي أول استظهاره في العلو والرفعة … وجان بلاط هذا هو الذي تسلطن فيما بعد.
وفيه جاءت الأخبار أن صاحب فاس من بلاد الغرب قد غزا الفرنج، واستخلص منهم عدة بلاد كانت أخذت من أيدي المسلمين، فأعادها لهم، وقتل أخوه في المعركة.
وفيه صار العسكر الذين من مماليك السلطان يدخلون إلى القاهرة شيئا فشيئا قبل حضور الأتابكي أزبك فتنكد السلطان لذلك.