للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ربيع الأول عمل السلطان المولد النبوي وكان غالب الأمراء مسافرين في التجريدة، وكان أمر السماط فيه بحكم النصف على العادة.

وفيه بلغ السلطان أن المماليك الذين حضروا من التجريدة قصدوا أن يثيروا فتنة كبيرة، ويطلبوا من السلطان نفقة بسبب هذه النصرة التي وقعت لهم. ثم بلغ السلطان أن المماليك قالوا إن كان السلطان لا يعطينا نفقة قتلنا الأمراء والمماليك الذين كانوا بمصر ولم يسافروا، وذكروا كلمات كثيرة من هذا النمط. فلما تحقق السلطان ذلك أخذ في أسباب تحصيل المال، واجتمع السلطان بالقضاة الأربعة، وذكر لهم أن الخزائن نفد ما كان فيها من المال، وأن المماليك يقصدون نفقة، وإن لم أنفق عليهم شيئا يثير فتنة كبيرة … فاتفق الحال على أن يؤخذ من أرباب الأملاك والأوقاف التي بمصر والقاهرة أجرة شهرين مساعدة للسلطان على النفقة. وانفض المجلس على ذلك.

ثم إن السلطان أمر تغري بردي الأستادار بأن يتكلم في ذلك هو وناظر الخاص ابن الصابوني، فاقتسموا التصرف في ذلك، وشرعوا في جباية المال.

وفيه دخل الأمير الكبير أزبك ومن كان معه مسافرا في التجريدة من الأمراء وبقية العسكر، وكان لهم يوم مشهود. ومن العجائب أنه في حالة دخولهم إلى القاهرة وأشيع بين الناس عودهم إلى حلب عن قريب، لأن عسكر ابن عثمان قد استولى على سيس، وعلى طرسوس، وغير ذلك من البلاد الحلبية. وحضر مع أزبك الأمير الكبير جماعة كثيرة من عسكر ابن عثمان، أتوا طائعين باختيارهم، فأنزلهم السلطان في ديوانه، وقرر لهم الجوامك، وهم إلى الآن باقون في الديوان يسمون العثمانية.

ثم قويت الإشاعات بوقوع فتنة كبيرة، وأن المماليك قد صمموا على أهذ النفقة لكل واحد منهم مائة دينار، فقلق السلطان لهذه الإشاعات، واشتد عليه الأمر.

*****

وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر جلس السلطان على الدكة بالحوش، وأرسل خلف القضاة الأربعة وسائر الأمراء، فلما تكامل المجلس قال السلطان للأمراء والقضاة: "هؤلاء المماليك يرومون مني نفقة، وقد نفد جميع ما كان في الخزائن من المال على التجاريد، ولم يبق بها شيء من المال". ثم أقسم بالله أنه نفد منه على التجاريد من حين ولي السلطنة إلى الآن سبعة آلاف ألف دينار ومائة وخمسة وستون ألف دينار. ثم قال للأمراء:

"اختاروا من تسلطنونه غيري، واشهدوا على أيها القضاة أني خلعت نفسي". وشرع يفكك أزراره وقصد الدخول إلى قاعة البحرة فتعلق به القضاة ومنعوه من ذلك. وشرع قاضي

<<  <  ج: ص:  >  >>